يبدو أن هؤلاء الذين يعتقدون أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يستعصي على الحل لم يقرءوا التاريخ. فقد خاضت بريطانيا وفرنسا حروباً عديدة، بما فيها حرب المئة عام، ولكنهما الآن تنعمان بالسلام. وقد سقط جدار برلين، ويجري الآن توحيد أوروبا وانتهى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

كما يبدو أن العديد يسلمون بأن الحل الوحيد لنزاع الشرق الأوسط هو حل الدولتين: دولة يهودية على 78% من فلسطين التاريخية ودولة فلسطينية جديدة تقام على أراضي الضفة الغربية وغزة. إلا أن تقسيماً كهذا مستحيل إذا أخذنا بالاعتبار الموارد المحدودة للمنطقة ومتطلبات الأمن وسكان المنطقة والواقع الاقتصادي.

فعدد يهود إسرائيل يبلغ 5ر4 مليون نسمة بينما يبلغ عدد الفلسطينيين داخل إسرائيل حوالي المليون نسمة. ويسكن المناطق التي يقترح إنشاء دولة فلسطينية فيها حوالي 5ر3 مليون فلسطيني. وإذا أضفنا إلى ذلك ما يزيد على 400 ألف مستوطن إسرائيلي يستوطنون الضفة الغربية وغزة وما يتراوح بين 3 إلى 4 مليون فلسطيني لاجيء في الأردن وسوريا ولبنان وغيرها، يمكن رؤية سبب كون فكرة الدولتين أضحت بالية.

وقد منعت إسرائيل عودة الفلسطينيين بحجة أنها ستغير الطابع اليهودي للدولة. ويطالب الفلسطينيون في إسرائيل بإلغاء القوانين التي تميز ضدهم بسبب أصولهم الدينية وتمنع أقاربهم من الالتحاق بهم والمطالبة بأراضيهم. ونظراً للاكتظاظ السكاني الشديد في الضفة الغربية وقطاع غزة (تعادل كثافة السكان في المناطق الفلسطينية أربعة أضعافها في إسرائيل)، هل يمكن لها استقبال المزيد من اللاجئين؟ وكما اتضح في كامب دافيد عام 2000، يرفض الفلسطينيون أي شيء أقل من السيادة على المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين. وقد رفضت إسرائيل ذلك حتى قبل موجة العنف الأخيرة.

ولا يمكن للفلسطينيين بدورهم قبول عروض تحدّ من السيادة الفلسطينية فيما يتعلق بحدودهم ومجالهم الجوي ومصادرهم المائية، حيث أنها تنطوي على عدم المساواة وغياب العدالة. ومن العوائق الإضافية رفض إسرائيل التنازل عن السيادة على الموقع التاريخي في "جبل الهيكل"، ذو القيمة العاطفية وليس العملية. إن سيناريو الدولتين لا يمكن الدفاع عنه أمام هذا الحاجز القوي من التناقضات التي تزخر بها متطلبات إسرائيل العاطفية والأمنية مقابل الحرية الفلسطينية وتقرير المصير.

وهذا ما يفسر نتيجة الاستطلاعات التي أجريت مؤخراً بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي أظهرت خيبة أمل حول حل الدولتين وإمكانية وجود أسلوب صالح لاستقرار الوضع، ناهيك عن تحقيق سلام دائم.

ويظهر تاريخ هذا النزاع وغيره عدم جدوى ضم الأراضي عن طريق القوة، وتفريق المواطنين الأصليين باستخدام القوة الاستعمارية ووضعهم في بانتوستانات (معازل)، والحلول المرتكزة على ما يرى بأنه حقوق دينية، والعنف والتدمير وانتهاك حقوق الإنسان بهدف الاستمرار في السيطرة.

وإذا فكرنا خارج حدود القبلية والوطنية الإيديولوجية فإنه يمكن لنا تقدير الفرصة التي يمكن أن يمنحها التعايش السلمي. ففي عصر أسلحة الدمار الشامل لا يضمن الأمن والسلام سوى العدل والمساواة.

ويعترف الجميع على المستوى الدولي بالإمكانيات الاقتصادية الهائلة الموجودة في المجتمعات متعددة الأجناس والأديان والثقافات حيث توجد حماية لحقوق الإنسان الأساسية.

يحسن الإسرائيليون والفلسطينيون عملاً إذا حولوا مواردهم من الحرب وبناء الأسيجة الأمنية إلى التعايش السلمي والتنمية ضمن ديمقراطية تعددية ينعم فيها الجميع بالمساواة وحقوق الإنسان. وإذا أخذنا بالاعتبار عبقرية الإسرائيليين والفلسطينيين وارتفاع معدلات التعليم لديهم، لتحولت تلك الديمقراطية إلى مكان حج للتكنولوجيا والخدمات في الشرق الأوسط، وإلى جسر بين الغرب والشرق. يمكنها حقاً أن تصبح نبراساً مضيئاً للأمم.

لقد أثبتت جميع البدائل الأخرى فشلها الذريع.

- مازن قمصية أستاذ مشارك بجامعة ييل ومتحدث رسمي باسم تحالف العودة الفلسطيني.