بالامكان اختصار حياة المواطن الفلسطيني في مدنه وقراه المحتلة، تبسيطا، بوصفها مطاردة للوقت، بداية من مطاردة لقمة العيش بالذهاب للعمل باكرا، وصولا الى المساء حيث ساعة التسوق كافية لدخول متجرين على الاكثر، وانتهاءا بمسؤوليات الاسرة بالنسبة للمرأة العاملة، أما زيارة الاهل والاصدقاء فلا داعي لها، وزيارة مصفف الشعر ترف لا لزوم له، وزيارة طبيب الاسنان مؤجلة ما أمكن، واصطحاب الاطفال الى الحديقة للعب فهو زائد عن الحاجة، والقائمة تطول بانتظار الافراح المؤجلة. فسحة التجول القصيرة بنظر المواطن طويلة بنظر الاحتلال، لا تقتل الفرح فحسب انما تحول الكائنات الى آلات تعمل نهارا وتلعن الزمن ليلا.

واذا ما بقي من الوقت شيئا فلا بأس من الحلم، بيد أن ما قد لا يجد له الفلسطيني برهة من الوقت هو الاجابة على أسئلة الاطفال الصعبة، نظرا لضيق الوقت والافق ومحدودية استيعاب الاطفال لمعنى الاحتلال.

وبين هذا وذاك، تقف الام، أما الأسئلة الصعبة للاطفال، فبراءة الاطفال لا تسعفهم في فهم أسباب الركض نحو المنزل ساعات المساء، أو أسباب عدم ايفاء الأم بوعدها لاصطحابهم الى الحديقة. وويلاً للأم اذا ووجهت بالأسئلة المستحيلة حول سبب عدم مغادرة الدبابة الى بيتها. فمنطق الطفولة يفترض أن للكائنات بيوتا تعود اليها آخر النهار، والدبابة بنظر الأطفال كائنات ضخمة دائمة التواجد في الحي.

وللطفل الفلسطيني مع الإعلام حكاية أخرى، فالجندي الاسرائيلي بالامكان تمييزه على صفحات الجرائد من بين كل شخوص الصورة، ورسام الكاريكاتير مهما بلغت براعة ريشته لن يتمكن من خداع الأطفال الذين أضحوا يميزون شارون وبوش رغم كل ألآعيب الرسام، فيا لروعة الأطفال ويا لسخرية الرسام، ويا لوضوح التواطؤ الامريكي الاسرائيلي في اغتيال أحلامنا ومستقبلنا.

وللتلفاز شأن آخر، فالحمد لله والتقدير لمخترعه، لأن التلفاز أصبح وسيلة أطفال فلسطين الوحيدة للتعرف على الأشياء البعيدة المنال، كالطائرة مثلا، أو البحر، فالمعابر الحدودية لا توصل الفلسطيني الى أي مكان.

واذا ما بحثنا في علاقة الفلسطيني بالاشياء فسنجد أن علاقتهم بالعالم الخارجي مرتبطة بشاشة التلفاز وعلاقته بالوقت مرتبطة بفسحة التجول.

على أي حال، بانتظار رحيل الاحتلال واتساع المساحات وفضاءات الحلم، قد يسبق الوقت الكثيرين، ولكن الاطفال سليحقون حتما بالحرية وسيدركون الأمر أخيراً ، الوقت قصير لأن الاحتلال يريده كذلك، لكن الحديقة باقية بانتظار الاطفال ووعد الأم بزيارة البحر يوما ما، ما يزال قائماً.