يدور في اسرائيل نقاش متعلق بقانونية المستوطنات، اعتبرت بموجبه المستوطنات التي يقوم وزير الامن الاسرائيلي بن اليعزر باخلائها مستوطنات غير قانونية. وكأن هنالك مستوطنات قانونية وأخرى غير قانونية، والمقصود بالطبع بموجب القانون الاسرائيلي، لأنه بموجب القانون الدولي كل المستوطنات غير قانونية. وعلى هذا تتفق كافة دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة. ولا تنفك السياسة الاسرائيلية تزود العالم بالحجج الطريفة بل الشديدة الغرابة. ومن حجج اليمين الطريفة ضد اخلاء المستوطنات او "النقاط الاستيطانية غير القانونية" ان الفلسطينيين يبنون ايضا بشكل غير قانوني، حسب القانون الاسرائيلي طبعا. والمستوطنون بهذا المعنى يطالبون بالمساواة مع الفلسطينيين. هل هنالك اطرف من هذا الكلام؟

ناهبو الارض، قاطعو الطرق، وقتلة المزارعين الآمنين، وسارقو زيت الزيتون يطالبون بالمساواة مع ضحيتهم. انهم المستوطنون الذين يحافظون على فريضة الرب ولكن لا يحافظون على فرائض اخرى من الوصايا العشر مثل: لا تسرق! او لا تقتل! او لا تشهد بالزور! ولكن لنذهب بهذه الحجة الى نهايتها القصوى، ماذا تعني قانونية البناء بموجب نفس القانون، الاسرائيلي؟ انها تعني احالة القانون الاسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة، اي بكلمات اخرى ضمهما، وهذا ما ترفضه اسرائيل رفضا باتا. ومع ذلك تطبق اسرائيل منطق المستوطنين عندما تهدم بدون تردد، وبقوة السلاح، وبدون الف جندي غير مسلح، بيوتا فلسطينية بنيت "بشكل غير قانوني" خارج المنطقة "أ".

ومن غرائب السياسة الاسرائيلية في السياق ذاته، ان احتلال ما يسمى البؤر الاستيطانية غير القانونية، تم بايعاز من شارون خلال مفاوضات واي، (15-23 تشرين أول/ اكتوبر1998)، في عملية منافسة-مزاودة ضد نتنياهو. في حينه قال وزير خارجية اسرائيل ارئيل شارون موجها كلامه لغلاة المستوطنين، "اركضوا واحتلوا الهضاب"! وهكذا تولدت عشرات البؤر الاستيطانية.

ومن غرائب السياسة الاسرائيلية ان اخلاء نفس هذه المستوطنات المدعى وغير المثبت حتى اللحظة، يتم في عصر شارون كرئيس حكومة ايضا نتيجة تنافس ولكن داخل حزب العمل بين بن اليعزر من ناحية، ورامون ومتسناع من ناحية اخرى. ويهدف بن اليعزر من ادعاء مواجهة "البؤر غير القانونية" الى استقطاب تعاطف القوى المرشحة لدعم المتنافسين الآخرين على زعامة الحزب. وفي حينه قام عدد من المستوطنات من خلال تآمر بيرس كوزير أمن على رئيس حكومته رابين بين الأعوام 1974-1977. اي ان الاستيطان والتلاعب به على حساب الشعب الفلسطيني غالبا ما تم نتيجة التنافس بين قادة حزبيين علمانيين. ولكن مسرحية المواجهات الاخيرة تثبت ان المستوطنين ليسوا لعبة بيد الساسة العلمانيين ونزواتهم الحزبية وأنهم يشكلون حاليا أكبر لوبي في السياسة الاسرائيلية، وانهم يرفضون ان يكونوا موضوعا للتكتيك. وكثير من المستوطنات بدأت بشكل غير قانوني ثم أصبحت من المسلمات.

ولقد نجح المستوطنون في المواجهة الاخيرة مع السياسيين بتحويل القضية الى قضية "اجبار الجنود على تدنيس يوم السبت"، يوم 19تشرين أول/ اكتوبر الجاري، وكأنهم مستعدون للاخلاء في ايام الاسبوع الاخرى. ولكنهم ومن خلال هذا الادعاء سمحوا لنا بأخذ فكرة رهيبة عن عدد الجنود المتدينين المتعاطفين معهم في وحدات الجيش القتالية. وقد قال شارون في جلسة الحكومة في اليوم التالي انه يتأسف لتدنيس حرمة السبت التي لم تكن هنالك حاجة لها، وفي نفس صبيحة ذلك اليوم، الاحد 20 تشرين أول/ اكتوبر، اتهم الوزير ايفي ايتام بن اليعزر انه "محتال وكاذب وجبان".

وكل ذلك ثلاثة أيام بعد ان أحيت اسرائيل رسميا ذكرى رابين بعد ان اقر رسميا في القانون كيوم "ذكرى وطني". وفي نفس هذا الاسبوع وصلت الى شمعون بيرس رسالة تهديد من تلاميذ الراب ميلامد، رئيس "مجلس حاخامات يهودا والسامرة"، يحملون فيها اليسار الاسرائيلي المسؤولية عن العنف مع اليمين منذ مقتل ارلوزوروف وقصف سفينة التلينا التي من المفترض انها حملت السلاح للايتسل والليحي عام 1948، مرورا باوسلو، اي بمقتل رابين. كما يدعون فيها الى عصيان اوامر الجيش اذا تضمنت اخلاء مستوطنات من "ارض اسرائيل". وفي الاسبوع ذاته تمت المواجهة غير الصدامية، على أقل تعبير، بين الجيش والمستوطنين عند اخلاء "نقطة جلعاد الاستيطانية". وقد لاحظ اي مشاهد نبيه كيف اجتمع اكثر من الف جندي على مائتي مستوطن، وكيف حاول كل اربعة منهم رفع مستوطن واحد واخلاءه برفق ولين، وان الخطير في الواقع ان المواجهة لم تكن مواجهة بل مشاجرة، مدافعة، محاشرة، "مدافشة"، جرح فيها من الجنود أكثر مما جرح من المستوطنين.

ويتحسر بعض المواطنين العرب في الداخل على الطريقة التي يتم فيها التعامل مع المستوطنين، ويؤكدون انه لو كان المستوطنون عرباً لذهب ضحية المواجهات عدد كبير من المتظاهرين. ولكن هذه مقارنة لا معنى لها. فاسرائيل منذ مقتل رابين تتجنب المواجهة التي قد تشق المجتمع الاسرائيلي الى درجة قتل اليهود بيد اليهود. وقد اعادت انتاج القبيلة بعد مقتل رابين، الذي تحول الى يوم ذكرى جماعي. ولم يُحمَّل او يتحمل اي تيار سياسي ديني المسؤولية عن قتله. اما بالنسبة للمواجهة مع العرب فاسرائيل قامت على ذلك، وهنالك وحدة حال اسرائيلية فيما يتعلق بمواجهة "النزعات المتطرفة عند عرب الداخل". انهم خارج القبيلة. وقد يختلف على الصراع مع العرب، حتى المواطنين، ولكنه لا يشق وحدة القبيلة، انه ليس سببا للاقتتال الداخلي.

*كاتب ومفكر ، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي- الناصرة.

عن شبكة الإنترنت للإعلام العربي - أمين