لا عجب اذاً، لا عجب اذا ما أستقبل الجنود الإسرائيليون يوم المرأة العالمي على طريقتهم، وقتلوا أماً حاملاً في غزة، وحرموا أبنائها الثمانية من حنانها ورعايتها، وحرموا الجنين من استقبال الحياة بصرخة، ولا عجب أن تحرم تلك الأم وغيرها من شهيدات فلسطين عشية يوم المرأة العالمي، من الحياة والأمومة ومن الاحتفال بيومهن كنساء.

لقد اختار العالم تحديدا الثامن من آذار من كل عام يوما للاحتفاء بالمرأة من جهة، والتذكير من جهة أخرى بفئة تشكل نصف سكان الأرض عدديا، ولا زالت تعد مهمشة ومضطهدة، وهو يوم لرفع الصوت عاليا للمطالبة بمزيد من الحقوق المستلبة تاريخياً للمرأة. ولا ننسى أنها مناسبة للتفاخر والاحتفال بالإنجازات التي حققتها الحركة النسوية على مدى العقود الطويلة من النضال من أجل التحرر والمساواة.

وفي غمرة الاحتفالات هذه وبالإضافة إلى ملايين النساء اللواتي قضين جوعا وقهرا ومرضا في غير مكان من هذا العالم، فان المزيد من النساء مرشحات لملاقاة المصير ذاته مع تعاظم الشعور باقتراب موعد الحرب الاميركية على العراق ومع استمرار الحرب الاسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين.

وفي غمرة هذا القتل والتدمير واستلاب الأرواح والحريات وأحلام البشرية نساءاً ورجالاً، فليكن هذا اليوم يوما للسلام، فالنساء هن الأحوج له، وهن الأكثر تضررا لغيابه، ليرتبط نضال المرأة عبر التاريخ بالنضال من أجل السلام، ولتتوقف لهذا اليوم كل نشرات الأخبار المفزعة التي تنقل بالصوت والصورة ما آل اليه العالم من دمار، ولتتوقف صور تدفق الجنود والعتاد المتوجهة الى الحرب العدمية.

فالمرأة ما توقفت يوما عن دفع ثمن الحروب من روحها ودمها وأعصابها وحسرتها، فلنحتفي بها لهذا العام بصورة مختلفة، لنرحم أحزان ولوعات أمهات العالم على ابن مقتول أو ابنة معاقة، أو منزل مدمر أو أحلام متلاشية.

هدى درويش الطفلة(12عاما)، لم تخطئها رصاصات الغدر عندما استقرت في دماغها الصغير بينما كانت تتعلم حروف الهجاء في مدرستها بخانيونس، فآلت الى الشلل التام، وحرمت من دراستها واللهو مع أترابها، وحشي رأسها برائحة البارود عوضا عن درس الموسيقى.

فأين هي اتفاقيات الأمم المتحدة ومعاهداتها الخاصة بحماية الأطفال والنساء؟ أين هي مما يجري في فلسطين، وما سيجري في العراق؟

في الحقيقة لم يعد لنساء فلسطين ما تفاخر به أمام العالم بعد أن داس جنون الاحتلال أحلامهن ومنجزاتهن خلال الأعوام الماضية، لم يعد لديهن ما يحتفين به، لم يعد أمامهن سوى النضال من أجل استمرارية الحياة ومن أجل التحرر من الاحتلال والاضطهاد كل يوم، وبكل الأشكال وبكل ما أوتين من عزيمة.

في النهاية، جرت العادة أن توجه التحيات في مثل هذه المناسبات، فتحية لأطفال ونساء فلسطين، اللواتي يناضلن بصمت، ويعملن في الوقت نفسه من أجل مجتمع أفضل، يشاركن في توفير لقمة العيش لأبنائهن الجوعى، وفي الوقت ذاته يشاركن في صياغة الحياة العامة في البلاد، ويسعين دوما للديمقراطية والعدالة والتحرر من الاحتلال.