للنساء فقط: حوار أم خطاب من طرف واحد
استضاف برنامج: للنساء فقط: الاثنين 15/3/2004، عايدة أبو راس، المنسقة الإقليمية لجمعية: ألف امرأة من أجل جائزة نوبل للسلام، كما استضاف المناضلة ليلى خالد، والكاتبة السياسية: حياة الحويك عطيه. جاءت الحلقة لتثير أسئلة جديرة بالنقاش في حياتنا السياسية، في هذه الفترة الزمنية حالكة السواد، ليس فقط في العالم العربي؛ بل أيضاً في كل أنحاء العالم.
برز تساؤل حول جدوى تأسيس جمعية، تعنى بالسلام والمرأة وإيصال ألف امرأة لنيل جائزة نوبل للسلام، في هذا الوقت بالذات! كما برز تساؤل حول شعارات بعض المنظمات والجمعيات والاتحادات النسوية: مثل النضال لتثبيت نظام الكوتا ضمن الأنظمة السياسية العربية! والاهتمام بمحاربة الفقر والحديث عن التنمية، في بلاد محتلة! كما برز تساؤل حول مدى أهمية دعم قضايا المرأة في العالم، مثل: أنجولا وموزمبيق، في الوقت الذي يجب أن تعطى الأولوية لتسليط الضوء على معاناة المرأة الفلسطينية والعراقية! كما جرى الإيحاء من خلال البرنامج بوجود مؤامرة تستهدف إبعاد المواطن العربي عن السياسة من خلال إشغاله بمثل هذه الشعارات.
لم توفق منسقة المشروع، في الدفاع عن رسالة جمعيتها، ولم نستطع أن نفهم من خلال حديثها، ما يميز رسالة الجمعية؛ بل إنني أعتقد أنها أساءت – دون قصد - إلى أهداف الجمعية حين قررت أنها جمعية لا تهتم بالسياسة. ورغم أني أعتقد أن المتحدثة غير متمرسة في السياسة، أو في العمل النسوي، كما أنها غير متمرسة في الحديث مع أجهزة الإعلام، ولم تكن مطّلعة بشكل كاف على أدبيات الحركة النسوية الفلسطينية والعربية والعالمية؛ إلا أني أعتقد أيضاً أن المذيعة لم تعطها فرصة ومساحة كافية للحديث، ولم يكن هناك توازن ما بين شخصيات المتحدثات، إذا كان ما يتوخاه البرنامج حواراً، وليس خطاباً من طرف واحد. كان يمكن تلافي تلك الثغرة والاستفادة بإدارة حوار جدي غني؛ لو استضاف البرنامج إلى جانب السيدتين القديرتين، امرأة أو رجلا ممن يحملون وجهة نظر مختلفة.
كان يمكن استضافة السيدة: روث (Ruth-Gaby Vermot-Mangold) عضو البرلمان السويسري، والبرلمان الأوروبي، ومؤسسة الجمعية العالمية (1000 امرأة من أجل جائزة نوبل للسلام)، أو استضافة أي من النساء اللواتي يدعمن الفكرة ويناضلن من أجل تثبيتها، مثل السيدة: روز ماري (Rosmarie Zapfl) عضو البرلمان الأوروبي، رئيسة لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية، أو غيرها مثل الكاتبة: إيفلين هاسلر (Eveline Hasler)، أو الممثلة سيلفيا جوست (Silvia Jost)، أو والتر كالين (Walter Kalin)، أستاذ القانون الدولي، عضو لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
وإذا كان البرنامج موجهاً بشكل أساس للنساء – كما يفهم من عنوانه- فمن المفترض أن يحاول استقصاء هموم النساء، ووجهة نظر النساء، من خلال عرض وجهات نظر النساء المختلفة، دون تبني إحداها، والتحريض، وقمع وجهات النظر التي لا تتفق مع وجهة نظر المذيعة أو المذيع.
تحدثت الكاتبة: حياة الحويك عطية، بلهجة حادة، حول المؤامرات التي تتعرض لها المنطقة، وسخرت من وجهة النظر النسوية الداعية إلى دعم مبدأ الكوتا بالنسبة للمرأة، والتي تعترف ضمنياً بعدم القدرة على المنافسة، داعية النساء الناشطات إلى رفض التعامل معاملة المعوقين. وأدانت استخدام شعارات غربية ضمن الأجندة النسوية، مثل: الجندر، الذي لم نستطع تعريبه في عالمنا العربي، ووصفت الميل للسلام بأنه ميل طبيعي، ووصفت ميل النساء إلى الحرب بأنه من أجل تحقيق مستقبل أفضل لأطفالنا.
وإذا كان من حق الكاتبة أن تعبر عن رأيها، الذي يعكس بعض الآراء، إلاّ أن السخرية من الآراء الأخرى، دون محاولة فهمها، لا يضيف إلى الكاتبة، ولا يساهم في دعم وجهة نظرها؛ لأن هناك الكثير من الأدبيات النسوية، التي توضح سبب إدراج مبدأ الكوتا ضمن مطالب المرأة، وقد عبرت عن هذا الرأي ضيفة البرنامج: ليلى خالد، حين قالت إنها مع التمييز الإيجابي للمرأة. أما عن المعوقين والتشبه بهم، فقد درجت الأدبيات النسوية على استخدام عبارة: ذوي الحاجات الخاصة، بدلاً من استخدام عبارة: المعوقين، ما يضيف فهماً أعمق لفئات المجتمع المختلفة، تلك الفئات التي تحتاج فهماً ورعاية من المجتمع. أما عن الجندر، الذي اصطلح على ترجمته في الأدبيات الأكاديمية: تحليل النوع، فإنه ليس مصطلحاً لفظياً تتشدق به النساء؛ بل يعتبر مفهوماً اجتماعياً، ثقافياً، وسياسياً، يمكننا ليس فقط من فهم العلاقة ما بين المرأة والرجل؛ بل يمكننا من فهم العلاقات الاجتماعية المتمثلة في اختلاف علاقات القوة والطبقة الاجتماعية.
نعود إلى السؤال القديم الجديد، المطروح على الحركة النسوية والحركة السياسية في آن: هل نستخدم هذا المصطلح بشكل مقطوع عن سياقه، أم إننا نستخدمه بعلاقته الوثيقة بالسياسة والحياة الاجتماعية؟! وهل التمييز في العلاقات الاجتماعية ما بين المرأة والرجل أمر غريب عن ثقافتنا وتقاليدنا؟
أما ليلى خالد، فقد ناقشت المسائل المثارة، بهدوء ميز حديثها. أوضحت مفهومها للسلام، الذي يرتبط بالعدل، واستنكرت الحديث عن السلام دون الحديث في السياسة.
وإذا كان اللامنطق السائد في حياتنا السياسية يخرجنا أحياناً عن طورنا؛ إلاّ أنه لا يجوز لنا – كما أعتقد- أن نطلق الاتهامات جزافاً على أية مبادرة غربية، دون أن نتبين ماهيتها، كما فعل أحد المتحدثين العرب، حين وصم الجمعية بأنها مرتبطة بالصهيونية. ولا يجوز لنا أن ننكر الاهتمام بقضايا الشعوب الأخرى حين ننشد اهتمام العالم بقضايانا، فقضية المرأة في أنجولا وموزمبيق تعنينا بالقدر الذي يعنينا فيه اهتمام المرأة في كل بقاع العالم بقضايانا. وليس كل ما يأتي من الغرب مؤامرة، ولا بد أن نسعى إلى زيادة عدد المتضامنين معنا، لا إلى استعدائهم.
تنويه: في 25/3/2003 استشهدت راشيل كوري، الأمريكية الأصل، من حركة التضامن العالمية، أثناء محاولتها الوقوف في وجه الجرافة الإسرائيلية، لمنعها من هدم بيت في رفح الفلسطينية. لم يكن هذا إلا من أجل السلام، وصنع مستقبل أفضل لأطفالنا وأطفال العالم.