ذكر شارون في مؤتمره الصحافي مع الرئيس الأمريكي بوش بتاريخ (14نيسان 2004) أنه ينشد إقامة سلام، حسب تعاليم أنبياء اليهود. أحاول في هذا المقال أن أضع أمام القارئ بعض المقتطفات من الكتاب الذي يعتبره اليهود توراتهم وكتابهم المقدس. لكنني أشير بداية أن الحديث هنا هو عن أنبياء اليهود كما ترد النصوص في التوراة الموجودة الآن بين أيدي اليهود وليس عن أنبياء اليهود كما ترد النصوص في القرآن الكريم. شارون يؤمن بالكتاب الذي بين يديه، وهو حسب تعليقه يستمد تعريفه للسلام منه وليس من أي كتاب آخر.
واضح في التوراة أن العلاقة مع الآخرين تأخذ علاقة العبرانيين مع غير العبرانيين ثلاثة مستويات: أبناء إبراهيم من هاجر والكنعانيين والشعوب الأخري. تتميز هذه العلاقة بالتحديد بنظرة فوقية حيث يعتبر العبرانيون أنفسهم شعب الله المختار والمميز عن الشعوب الأخري التي لم يعبر الرب عن رغبته في أن يكون إلها لها. فالشعوب الأخري أقل منزلة واحتراما وخارجة عن الإطار الرباني الذي يرعي بني إسرائيل في تجوالهم وحلهم وترحالهم وبيوتهم. وجاء تحديد علاقة العبرانيين مع هذه الشعوب لتكريس الاعتقاد بأن العالم يقسم علي شعبين: شعب له الله ونعمه وشعوب أخري ذات وحشية وجلافة.
من ناحية أبناء إبراهيم من هاجر، هناك نصوص واضحة تحرمهم المنزلة التي حظي بها أبناء إبراهيم من زوجته الثانية سارة. فهاجر، كما تصورها التوراة، لم تكن سوي جارية لدي سارة وقد أمرها ملاك الرب بأن تبقي كذلك عندما حاولت الهرب من خلال محاورة بينهما. تقول التوراة يا هاجر من أين أتيت وإلي أين تذهبين. فقالت أن هاربة من وجه مولاتي ساراي. فقال لها ملاك الرب ارجعي إلي مولاتك واخضعي تحت يديها . (سفر التكوين 16: 9).
ويبدو من سياق الحديث في التوراة أن إبراهيم غضب عندما طلبت سارة من إبراهيم طرد هاجر وابنها إسماعيل لأنه كان يلعب. إلا أن الرب لم يجد مبررا لهذا الغضب قائلا لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها. لأنه بإسحق يدعي لك نسل . (تكوين 21: 12) وهناك محاولة توراتية لتجاهل إسماعيل كابن لإبراهيم. أمر الرب إبراهيم أن يأخذ اسحق إلي أحد الجبال مخاطبا خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق واذهب... . (تكوين 22: 2).
التوراة لا تتجاهل إسماعيل باستمرار، لكن منزلته تبقي متدنية بالمقارنة مع إسحق. ففي سياق الحديث حول إسحق وتعظيمه يأتي في النهاية ذكر لإسماعيل بأن الله سيجعل منه، ابن الجارية، أمة لأنه من نسل إبراهيم، لكنه لا يذكر ما إذا كانت ستكون هذه الأمة عظيمة كالأمة التي ينجبها إسحق. (تكوين 21: 18) حتي أن ميلاد إسماعيل، كما يتم تصويره، لم يكن من أجل الخير والبركة وإنما كان كنوع من العطف علي هاجر التي أذلت كثيرا. فقد قال لها ملاك الرب أنها ستلد ولدا تدعوه إسماعيل وإنه يكون إنسانا وحشيا. يده علي كل واحد ويد كل واحد عليه . (تكوين 16: 12) أي أن هذا الولد شرير ولا يصل مرتبة أخيه من أبيه الذي يتلقي أوامر الرب إلهه.
أما من ناحية الكنعانيين، فإن وصايا الأنبياء، كما تذكر التوراة، تحظر التعامل معهم أو الرأفة بهم. فقد أوصي إبراهيم، بعدما تقدمت به السن، عبده كبير بيته ألا يأخذ لابنه زوجة من بنات كنعان. (تكوين 24: 3) وكذلك فعل إسحق الذي أوصي ابنه يعقوب بألا يتخذ لنفسه زوجة من بنات كنعان لأنهن شريرات. (تكوين28: 1) إنهن لا يعبدن إله بني إسرائيل، وبالتالي فهن غير صالحات، علما أن دين بني إسرائيل ليس للكنعانيين. لكن التوراة، علي أية حال، لا تذكر لماذا لا يعرف الرب نفسه للكنعانيين الذين من الممكن أن يؤمنوا.
حث الرب بني إسرائيل علي أن تكون علاقتهم مع سكان أرض كنعان علاقة عداء. فهو يحضهم، في حالة احتلال أرض الميعاد، علي تهديم مذابح ساكنيها وتكسير أنصابهم وحرق تماثيلهم. ذلك لأن بني إسرائيل شعب مقدس للرب إلههم. (التثنية 7: 6) وقد أمر الرب بني لإسرائيل بقتل كل من يجدونه أمامهم في المدن التي يحتلونها حتي الأطفال والرضع. وبناء علي هذه الأوامر، فقد قتل العبرانيون كل رجل وامرأة وطفل وشيخ عند احتلالهم أريحا. ولم يوفروا حتي البقر والغنم والحمير وألحقوا علي البيوت وأحرقوها. (يشوع 6: 21) وهذا ما فعله يشوع أيضا بأهل عاي. فقد قتل كل إنسان كان يسكن المدينة وأحال المدينة خرابا ومثّل بجثة ملكها. (يشوع، 8: 29).
والشعوب الأخري ليست أحسن حالا من حال الكنعانيين. فلا يجوز لهذه الشعوب أن تكون علي قدم المساواة مع العبرانيين، وحتي لا يجوز لها أن تعيش بأمن واطمئنان. فالرب يؤكد لموسي أنه سيدفع سكان الأرض إلي أيدي العبرانيين. وشرط الرب علي ذلك بألا يقطع مع الشعوب الأخري أو آلهتهم عهدا . (خروج 23: 32) إن مكانة هذه الشعوب إذا سمح لها بالبقاء أن تكون في خدمة بني إسرائيل وطاعتهم. فكما هو منصوص يقف الأجانب يرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم. أما أنتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام الهنا. تأكلون ثروة الأمم وعلي مجدها تتأمرون . (إشعياء 61: 5- 6).
حدد الرب علاقة العبرانيين مع الشعوب الأخري كالأموريين والكنعانيين والحثيين قائلا لا تسجد لآلهتم ولا تعبدها ولا تعمل كأعمالهم. بل تبيدهم وتكسر أنصابهم . (خروج 23: 24) إنه لا يجوز أن يقام معهم عهد لأنهم غير مقدسين ولا يصلون إلي منزلة بني إسرائيل، صفوة الأمم وخيرتها وشعب الله. وما دام الأمر كذلك، فإن الرب سيبقي في نصرة بني إسرائيل ورعايتهم. إلا أن الرب يحذر ولكن إذا رجعتم ولصقتم ببقية هؤلاء الشعوب وأولئك الباقين معكم وصاهرتموهم ودخلتم إليهم وهم إليكم فاعلموا يقينا أن الرب إلهكم لا يعود يطرد أولئك الشعوب من أمامكم فيكونوا لكم فخا وشركا وسوطا علي جوانبكم وشوكا في أعينكم حتي تبيدوا عن تلك الأرض الصالحة التي أعطاكم إياها الرب إلهكم . (يشوع 23: 12-13) والرب يعارض سكني هؤلاء في أرض بني إسرائيل حتي لا يكونوا سببا في إغواء شعب الرب وتحويله عن عبادته. (خروج ـ 23).
ليس من الصعب علي قارئ التوراة أن يدرك أن الأمم فئتان: فئة العبرانيين التي لها رب، وفئة بقية الشعوب التي ليس لها رب. وظيفة الأولي هي أن تطيع الرب فيفتح عليها أبواب النعم الدنيوية وأسباب الرخاء، ووظيفة الثانية ذات شقين: الأول أن تكون هدف انتصارات العبرانيين عندما يكونون في طاعة الرب فيتلذذون بنشوة الانتصار، والثاني أنها أداة الله لمعاقبة العبرانيين عندما يكونون في معصية الله. وفي كلتا الحالتين فإن الأمم الأخري عبارة عن مطية إما للعبرانيين أو للرب الذي يريد معاقبة شعبه. وما عدا ذلك لا يبدو في التوراة أن للأمم وظيفة أخري يمكن أن تكون سامية. الأمم الأخري محرومة من الدعوة للانضمام علي دين، ومحرومة من المعاملة الحسنة.
سقت أعلاه فقط بعض الأمثلة عن رب شارون الخاص وأنبيائه. وللقارئ أن يستنتج ذلك السلام الذي يقيمه شارون وفقا لتعاليم أنبياء اليهود. - القدس العربي -