ليس فقط من خلال كلام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وإنما ـ كذلك ـ من خلال كلام كثيرين، من حولنا، نستنتج أن الموقف العربي، يتداعي من انهيار الي انهيار، وأن فلسطين، باتت من غير حليف حقيقي، إقليمياً ودولياً، وأن مغادرة الحلفاء المفترضين، بالتلميح وبالتصريح، لسفينة يرونها غارقة، إنما هو بهدف دفعنا للاقتناع، بأن حجم ما نأخذه، في هذا الخضم، يتناسب طردياً، مع حجم استعدادنا لطمأنة الإسرائيليين، أمنياً، وأن غير ذلك بات من الأوهام!
بدأت مرحلة التأثيم الشامل، للكيانية السياسية الفلسطينية، بحيث يتعين عليها أن تختار أحد أمرين: إما أن تتصلب فتُكسر، بمطارق من داخلها، أو أن تتماشي فتكسر، بمطارق من خارجها، فضلاً عن المطارق التي من داخلها. وما راية الإصلاح، التي رُفعت، وأمسك بها من أغتنوا، وليس من أفقرهم النضال والتعفف، إلا صيغة فتحت المجال للقول، بأن ما يُراد لها، هو أن تنتهي الي التكيف، مع وضعية سياسية، تأخذ في الحسبان، أن الولايات المتحدة، هي القوة المهيمنة علي المنطقة، وأن العرب ممتثلون لخططها، وأن الوضع الفلسطيني، بات مثخناً بالجراح!
أحزنني أبو علاء وهو يدفع الإتهام عنّا، بلغة من فوجئ بالسهم الذي أوجعه. كان الرجل محقاً، لأننا لم نتنازل، في أية لحظة، عن ثوابت العملية السياسية، منذ أن بدأت هذه العملية. بل إن ما يتعرض له الرئيس عرفات، من حصار ومقاطعة في المقاطعة هو بسبب اللا تنازل، وليس لأي سبب غيره، لأن الفساد في الكيانية الفلسطينية، نشأ وترعرع قبل أوسلو في التربة العربية الرسمية. فهذه هي التي رعته، وحمت أشخاصه، وجعلتهم في موضع الأهمية، بل وكلّفت بعضهم بمهام، واشتد عودهم من خلالها. فالفساد في السلطة، كان امتداداً للفساد في المهاجر العربية!
الملك عبد الله الثاني، أشار بتعبير ضبابي، عن حديث كان عن 98% من الأراضي المحتلة، في العام 1967، تحوّل الي حديث عن 50% من هذه الأراضي. ولا ندري ما الذي كان يقصده بالضبط، عندما أشار الي أننا نقبل ما كنا نعتبره في السابق خيانة". ففي الحديث الأول، كنا بصدد المحصلة العربية، السياسية والعسكرية، لتاريخ طويل من الصراع. فقد أوصلتنا تلك المُحصلة، الي تلك الصيغة من الحل، حيث فتحنا صفحة جديدة، لنسبة 100% جديدة، لمساحة الوطن، ليست في الواقع إلا 22% من مساحته الأولي. أما الحديث الثاني، فلم نتعاطاه، لأننا لم ولن نقبل أن تكون الأراضي المحتلة، في العام 1967 متنازعاً عليها، وأن يكون حقنا فيها، أقل من 100% منها!
بين حديث جري، وآخر لم يجرِ، تسللت الذرائع والأحكام الجُزافية. لم يعد من هواياتنا، إدخال أحد، في دائرة الخيانة ونلتزم الصمت، حيال وقائع عربية يومية، مجافية ليس فقط لنضالنا، وإنما كذلك لإنسانيتنا. وليس مفهوماً، أن يؤسس أحد، موقفه، علي احتمالات التخوين، ثم يجزم بأننا واقعون في التنازل الذي هو قرين الخيانة. ففلسطين لم تكن ستقع تحت الاحتلال، لو لم تكن عربية، ولو لم نكن بغير استقلال وسيادة وبغير حرية لإرادة التهيؤ لصد العدوان. ولم يكن وطننا، سيقع تحت الاحتلال، لو كانت النُخب العربية الحاكمة، آنذاك، هي غير تلك النخب، التي نزعت الي مقايضة شيء بشيء، عندما أعطت الحركة الصهيونية، موقفاً يتمسك في تحييد الفلسطينيين عن إدارة الصراع، وموقفاً يتعمد الشكلية والضعف، في معركة إنقاذ فلسطين، مقابل أن تدعم الصهيونية، في كواليس الغرب، مطالباتها القطرية، في إعلان الاستقلال. وعلي الرغم من ذلك، لا نميل الي المحاكمة التاريخية للمسائل، لأنها قريبة الشبه بالمهاترات، والمهاترات لا تفسر التاريخ، ولا تشرح الواقع! - القدس العربي -