من القضايا المهمة التي طالما فرضت نفسها على الفلسطينيين في صراعهم مع الحركة الصهيونية قضية الوسائل التي ينبغي توظيفها لردع تلك الحركة وهل يجب ان تكون وسائل عنفية ام غير عنفية.

كان المنطق الذي ساد معظم الوقت هو ان العنف لا يردعه إلا العنف. وفعل الشعب الفلسطيني في خضم تصديه للحرب الصهيونية عليه ما يفعله اي شعب آخر عندما ينهض غريزياً للدفاع عن وطنه وحقوقه وكرامته. وفي حرب العام 1948 استطاع الكيان الصهيوني الذي لم يكن قد تحول دولة بعد ان يهزم جيوش الدول العربية التي كان معظمها خاضعاً لنفوذ بريطانيا التي منحت الحركة الصهيونية وعد بلفور.

من الامور الملفتة ان اسرائيل عمدت، قبل شهور من اندلاع انتفاضة الاقصى في اواخر ايلول (سبتمبر) 2000، (ولم يكن معروفاً وقتها ان انتفاضة ستندلع او هل ستكون سلمية ام مسلحة) الى تنفيذ خطة مفصلة لتجهيز جيشها بأسلحة ومعدات مخصصة للاستخدام في المدن والقرى الفلسطينية بغرض قمع أي مقاومة عنفية ضد جنود الجيش الاسرائيلي والمستوطنين اليهود المسلحين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتضمنت تلك الخطة التي نشرت تفاصيلها في احدى نشرات مؤسسة «جينز» الدفاعية البريطانية تجهيز الجيش الاسرائيلي بمعدات واسلحة تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات من بينها مناظير بعيدة المدى للرؤية الليلية واخرى للرؤية في النهار، وبنادق للقناصة مزودة ايضاً بمناظير، ووسائل تنصت اليكتروني لتوفير معلومات استخبارات ميدانية آنية وتعزيز الاستخبارات عن طريق «المتعاونين»، وتجهيز طائرات «اباتشي» الاميركية الصنع ومروحيات اخرى بكل ما يلزم لتنفيذ عمليات اغتيال بصواريخ تطلقها هذه المروحيات، اضافة الى تجهيزات لحماية جنود الاحتلال.

وعندما اندلعت الانتفاضة بعد فشل محادثات كامب ديفيد، استخدم جيش الاحتلال كل التجهيزات والاسلحة السابقة الذكر لقتل اعداد كبيرة من الفلسطينيين لكي يذعنوا لاعادة احتلال مدنهم ومصادرة اراضيهم وتوسيع نطاق الاستيطان اليهودي فيها.

وأثارت الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي حلت بالفلسطينيين تساؤلات من بعض قادتهم، ومن أبرزهم محمود عباس (ابو مازن)، عن جدوى عسكرة الانتفاضة. ولكن التساؤلات عن جدوى الانتفاضة المسلحة طغى عليها اصوات المدافع والصواريخ الاسرائيلية وهدير دبابات الاحتلال وجرافاته. وكلما كان الرئيس ياسر عرفات ينجح في ترتيب وقف للنار، كانت حكومة شارون تسعى الى نسفه بارتكاب عمليات قتل واغتيال.

الآن، واضح ان العنف الاسرائيلي يتصاعد في وقت باتت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش قابلةً بتوسيع حكومة ارييل شارون الاستيطان في الضفة الغربية. وواضح ايضاً ان اسرائيل تتجاهل رأي محكمة العدل العليا في لاهاي والامم المتحدة في مسألة جدار الفصل العنصري وتبني سياستها الخارجية على المبدأ الذي اقره رئيس الوزراء الاسرائيلي الاول ديفيد بن غوريون الذي قال: «ليس مهماً ما يقوله الاغيار. المهم هو ما يفعله اليهود».

في ظل زيارة رون غاندي، حفيد المهاتما غاندي، للاراضي الفلسطينية يتجدد السؤال عن الوسيلة الانجع لردع العنف الاسرائيلي. وقد قال الرجل أنه يحبذ اللاعنف وسيلة لثني اسرائيل عن سياساتها «اللاانسانية»، حسب وصفه. فهل تجدي وصفة جده التي طبقها الهنود ازاء الاحتلال البريطاني في تعامل الفلسطينيين مع اسرائيل الرافضة لوقف النار؟ - الحياة اللندنية -