في الاسابيع الاخيرة اصطدم الجيش الاسرائيلي بغضب اخلاقي متنام في وسائل الاعلام، حتى اكثر مما هو دارج منذ تشرين الاول 2000. فهل هذه الظاهرة، المميزة للمجتمعات الغربية هي مؤشر على نضج اخلاقي وسياسي أم الى التسيب والتحلل؟
التاريخ يفيد بان عدم الاتفاق والنقد الذاتي اللذين يميزان المجتمعات الحرة ليس فقط روح الحرية بل وذخر استراتيجي أيضا. وحتى لو كان في الهزيمة الامريكية في فيتنام دور في النقد الداخلي الهدام، فان الولايات المتحدة انتصرت في الحرب الباردة حتى بفضل ذاك النقد نفسه. وعليه فانه من الجدير الحفاظ على هذا الذخر والحرص على ان يكون في الجودة الاعلى الممكنة. ولذات السبب ثمة مجال للقلق في ضوء الموقف الاعلامي الحالي من جنود الجيش الاسرائيلي وقادته. فالميل العام كان خليطا مرفوضا من الهستيريا المزايدة والمقاييس المهنية المتردية.
لكل قارىء شكاك كان واضحا بان هجوم المراسلين على رئيس الاركان في اعقاب "قضية زكاي" نبعت من الحرص على الجيش الاسرائيلي وعلى أمننا بقدر اقل من الضرر الذي لحق بهم أنفسهم حين فقدوا "مصدر كبير". كل مشاهد محب للاستطلاع كان ينبغي له ان يقلق لمشهد التحرير الانتهازي لشريط الجنود من موقع غيريت في برنامج "عوفدا" التلفزيوني. وفظ بقدر لا يقل على ذلك استدرار العواطف اليهودية في قصة عازف الكمان في الحاجز. والان ينبغي الانتظار لصورة فتى فلسطيني يرفع يديه امام جندي اسرائيلي. فباستثناء الغضب الاولي الذي يترافق مع كل خيانة للثقة، فان هذه الاخفاقات هي مصدر لخوف حقيقي على حصانتنا: فوسائل الاعلام لا تؤدي دورها الحيوي في الرقابة المدنية على الجيش اذا كانت اخلاقياتها المهنية متردية، واذا كانت هي نفسها لا تفي بالمطالب التي تطرحها على الاخرين.
انعدام المسؤولية برز ليس فقط في البعد المهني البسيط للكشف عن الحقيقة للجمهور، بل ايضا - وربما اساسا - في الاستنتاجات العامة. وحتى لو كانت في الجيش حالات شاذة - وأحد لا يشكك في انه يجب معاقبتهم بكل الشدة - فلا تزال هذه ليست برهانا مؤكدا على الزعم الشعبي جدا الان في أن "الاحتلال مفسد". ففي يهودا والسامرة وفي غزة تقع كل يوم عشرات الاحداث في محيط مليء بالمدنيين، والعدو ليس فقط يندمج بين هؤلاء المدنيين بل ويستخدمهم على نحو متواتر. "نظام الجار" الذي يحظره الجيش الاسرائيلي هو تكتيك عادي لمنظمات الارهاب. هذا محيط حربي جديد ومعقد ومحظور التعاطي معه كميدان قتالي عادي. وكما يدعي القضائي ايلان درشوفيتس فان قوانين الحرب العادية اصبحت قديمة، واليوم هي تساعد الارهاب. ومن يتصدى كل يوم وكل ساعة للمعاضل الاخلاقية لاعسيرة التي يخلقها هذا الواقع هم جنود وقادة الجيش الاسرائيلي. وما يفاجىء ليس مجرد وقوع حالات شاذة بل حقيقة أنها قليلة بهذا القدر - بالنسبة لكل جيش، في كل مكانت، وفي كل زمان.
التشبيه بين القدرة المهنية والرشد العقلي لجنود وقادة الجيش الاسرائيلي وبين مناوئيهم لا يثني ابدا للاخيرين. بل انه يمكن القول انه اذا كان الاحتلال مفسدا، فان وسائل الاعلام و "الفئة المثقفة" في اسرائيل قد اصيبا به. اذ أن الاخلاق ليست موضوعا بسيطا والضمير الحقيقي يجب ان يستند الى العلم، التفكير والفهم. الى توظيف الجهد والجدية. واليوم من السهل اكثر من اي وقت مضى الشعور والظهور كانسان اخلاقي. تكفي الشكوى من الجيش الاسرائيلي والقول بثقة بالنفس ان "الاحتلال مفسد". ولكن عمليا هذه السهولة هي مؤشر مقلق على افساد اخلاقي. هذا ايضا عقم اخلاقي: اذ أن النجاح التاريخي للجيش الاسرائيلي في تخفيض تهديد الارهاب هو ذاك الذي يسمح للمنتقدين برفع صوتهم عاليا. وبالذات اولئك الذين من مهمتهم ابلاغ الجمهور والسماح بنقاش عقلاني يفترض بهم ان يفهموا هذه الحقائق الاساسية جدا. هذه ليست مسألة عقل، هذه ايضا واجب اخلاقي.
* محاضران في التاريخ في جامعتي تل ابيب وبن غوريون على التوالي - يديعوت احرونوت -