في مبنى روميرو هاوس في مدينة لوتزرن بسويسرا (1 ديسمبر)، ومبنى اتحاد المرأة الفلسطينية في القاهرة (5 ديسمبر)، ثم في مبنى المركز الوطني للتدريب التربوي، في مدينة رام الله (15-16 ديسمبر)، طرحت أسئلة عن سبل تقديم العون والتضامن مع الشعب الفلسطيني، تلك السبل التي تتجاوز حدود العون المادي، فتلبي بعض احتياجات الشعب الفلسطيني، وتتعدى حدود التضامن، إلى ما يفيد قضيته العادلة بشكل أكثر فعالية.
في مدينة لوتزرن، أحسست بمتابعة الشعب السويسري العالية لما يجري على أرض فلسطين. كان ذلك واضحاً من خلال طبيعة الأسئلة التي طرحت عليّ، كمحاضِرة عن أوضاع المرأة الفلسطينية منذ انتفاضة الأقصى، أثناء مشاركتي في مؤتمر حول "منظور لسياسة السلام النسوية: تمكين، ونوع اجتماعي ووضع حد للعنف" في مدينة بيرن. فوجئت منذ وصولي إلى مقر روميرو هاوس، بمنضدة وضعت عليها مجموعة عبوات لزيت زيتون وزعتر، وقد كتب عليها اسم فلسطين باللغة الألمانية، كما وضعت تعليمات حول ترتيب النقود داخل مغلفات صغيرة، دون أن يقف أحد على هذه المنضدة. وفوجئت بمستوى الوعي لحقيقة ما يجري على أرض فلسطين، وبالرغبة في تزويد الحضور بما هو جديد ومفيد، وبتصور حول أكثر من طريقة، للتعبير عن التضامن، مع نضال المرأة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني.
وفي مدينة القاهرة، وعبر لقاء حميم، في اتحاد المرأة الفلسطينية، مع بعض من أبناء الجالية الفلسطينية في المنفى، والكثير من المتضامنات والمتضامنين مع قضية الشعب الفلسطيني، من المصريين والعرب، طرحت قضية دعم صمود الشعب، وإمكانية اللجوء إلى أساليب متعددة، أهمها الإعلام، لإبراز حقيقة معاناة الشعب، وصموده ومقاومته الباسلة، في الوقت ذاته.
وفي مدينة رام الله، ومن خلال مؤتمر بعنوان: "تمكين المرأة: مفتاح التنمية"، أقيم برعاية وزارة شؤون المرأة، بالشراكة مع التعاون الإيطالي، ومنتدى تمكين؛ طرحت قضية البحث عن سبل لتثبيت مبدأ الشراكة مع الجهات المانحة، وطرحت قضية خطورة الفصل بين قضايا المرأة وقضية الوطن، عبر تجزيء القضايا وتفتيتها. كما طرحت قضية اللامركزية، والتوجه المرن لإدماج النوع الاجتماعي في المؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، ذلك التوجه الذي يمكن أن يعطي فرصاً، ليس لتمكين المرأة فحسب؛ بل للبناء الديمقراطي أيضاً. كما نوقشت أهمية تفسير المصطلحات المستخدمة عالمياً، مثل: "التمكين"، وضرورة الاتفاق حول رؤية فلسطينية موحدة حولها، من خلال الحوار المعمق حول المفهوم.
أعتقد أن ما يجمع المناقشات المختلفة في المدن المختلفة، هو سبل دعم القضية الفلسطينية؛ ليس عبر وسائل الإغاثة فحسب ـ على أهميتها ـ بل بالربط بينها وبين المشاركة في عملية التنمية المستدامة، تلك المشاركة التي يصعب اكتمالها دون تمكين النساء. هذا المصطلح الذي يعني، حسب ما توصلت إليه بعض الدراسات النسوية ـ المعنية لا بتحسين شروط الواقع بل بتغييره ـ عملية ديناميكية، تؤدي إلى تطوير طاقات فردية وجماعية. عملية تؤدي إلى التغيير، حيث تحدي علاقات القوة، وحيث يمكن إحداث تحولات بنيوية، من خلال العمل التراكمي، الذي يؤدي إلى ثورة في التشريعات والقوانين، التي تخص النساء.
عبرت اللجنة المصرية الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، بطريقتها، عن وقوفها معه، وأجابت عن سؤال التمكين، عبر تنظيمها مسيرة جماهيرية إلى رفح، لتقديم العون المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني. تجمع نشطاء سياسيون وممثلون ومثقفون مصريون وعرب وأجانب (نساء ورجالاً)، وانطلقت أربع حافلات سياحية تحملهم إلى رفح، تلوح فوقها مجموعة أعلام فلسطينية، ولافتات تعبر عن دعم الشعب الفلسطيني، والتضامن مع مقاومته المشروعة. تحركت قافلة الدعم ، وعبرت كوبري السلام (أول وأحدث كوبري يمر فوق قناة السويس)، لتلتقي بسيارات نقل محملة بآلاف الأطنان من المواد الغذائية والبطانيات والأدوية، ولتلتقي بأناس جاءوا من محافظات مصر المختلفة، منهم من كان ينتظر لينضم إلى القافلة، ومنهم من أمضي الليل في الاستراحة في انتظارها. كان منهم متضامنون جاؤوا من دمياط، وآخرون جاؤوا من المحلة الكبرى. توحدت القافلة وهي تتحرك نحو بوابة محافظة سيناء الشمالية، ولا يمكنها التقدم أكثر. اصطدمت بجدار يعلوه جدار، رغم محاولات أفرادها المتكررة القيام بالعبور. علت هتافات تطالب بالعبور ومواصلة الدرب إلى الحدود عند رفح، لإيصال المعونات إلى فلسطين. حاول المتضامنون العبور سيراً على الأقدام، يتقدمهم في الصف الأول بعض الأجانب، وهم يشبكون أيديهم مع أيدي المصريين والعرب. وبعد حوارات مع القوات الأمنية المصرية، مرت المواد الغذائية والقافلة، ولم يمر البشر. أدرك المشاركون في القافلة، أن المعونات المادية وحدها لا تكفي، وأن وجودهم لا يقل أهمية عن توفير مواد الإغاثة. هذا ما جعلهم يحاولون العبور مع القافلة، مرة تلو مرة، رغم معرفتهم بصعوبة دخولهم؛ بل استحالته.
قدمت لنا قافلة رفح، ما تعدى حدود التضامن، إلى ما هو أكثر فعالية. أجابت مسبقا وبشكل عملي على بعض الأسئلة التي طرحتها ندوة التمكين في رام الله. تبقى هناك ضرورة للحديث عن الأسئلة التي ناقشها لقاء سويسرا، والإجابات التي طرحتها ندوة رام الله الدولية، فيما يتعلق بسؤال التمكين.