لم يبدأ شيء، من الحراك السياسي الفلسطيني الداخلي، مثلما يحدث مع كل خلق الله، عندما يواجهون احتمالات أقل خطورة وأضعف صلة بالمصير الوطني، مما ينتظرنا من خطط وتحديات. فكأنما نحن هامدون سياسياً، في انتظار أن يقرر الآخرون في شأننا، وكأننا نستعيض بالمداولات والتجاذبات الحزبية الإسرائيلية المكثفة، عن مداولات ينبغي أن تكون، فلسطينياً، لبلورة موقف جامع، يتوحد من خلاله المجتمع الفلسطيني، وتتوحد القوي الفصائلية والشعبية، لكي نعرف كيف نستفيد من أية خطوات، وكيف نجابه مخاطر ما يقرره الآخرون. فلا بد من الشفافية السياسية بيننا، لكي نفهم علي أي أساس تكون الخطوات المحتملة، التي سمعنا عنها، وتابعنا أمرها من خلال المداولات الإسرائيلية، ولكي تنشـأ الفاعلية الحقيقية للقوي الفلسطينية، علي النحو المنسجم مع هدف الاستقلال والحرية!
أغلب الظن، أن شارون سيمرر خطته، لأنها مطلب إسرائيلي متعدد المزايا بالنسبة لحكومته وللإدارة الأمريكية، وهي خطة فوق مستوي ترهات ائتلاف شارون الحاكم. فإن بقي الطرف الفلسطيني هامداً سياسياً، فإن المحتلين، والإدارة الأمريكية، سوف يستمران في تسويق خطة الفصل الأحادي، باعتبارها غنيمة للفلسطينيين. غير أن التعاطي الفلسطيني، سلباً أو إيجاباً، مع الطروحات الإقليمية والدولية، المساندة لخطة شارون، من شأنه أن يفقد عمقه وصدقيته، ما لم تكن الأمور واضحة، وما لم يكن الفلسطينيون موحدين ومتفقين، علي طريقة التعامل مع أية تطورات، ويفهمون أبعاد الموقف الرسمي للسلطة. فإن كان تطبيق خطة شارون، علي أربع مراحل، وكان الغموض يملأ الفجوة الزمنية، بين كل مرحلة وأخري، وإن بدا واضحاً أن الأفق السياسي بعيد، وليس لخطة شارون صلة بالتوجه الي التسوية، القائمة علي إخلاء الضفة، فإن ردود الأفعال الفلسطينية علي الأرض، في قطاع غزة نفسه، لن تساعد علي تكريس الخطة، وستكون التداعيات الكارثية محتملة، لتعود الأمور الي نقطة الصفر!
قيل إن شارون أعطي تفسيرات ووعوداً للجانب المصري، وللأمريكيين، الأمر الذي وفر للمصريين شروط التدخل والانخراط في عملية وساطة. وبدا شارون حريصاً علي أن تجري الأمور بدون عرض للتفاصيل، وبدون الإفصاح عن طبيعة الخطوة وصلتها بمسار التسوية، وربما يكون شارون، قد تذرع بالمشكلات التي يواجهها في الليكود وفي إئتلافه الحكومي. لكن مساعدة شارون علي إبقاء أمر التفصيلات، غامضاً، فلا نعرف إن كان هناك علاقة بين خطوته التي يسميها أحادية وبين خارطة الطريق ستمنح شارون هامشاً أوسع للمناورة، وللتنكر لما همس به للأمريكيين وللأطراف العربية، والانقلاب علي مجمل عملية التسوية، بعد تكريس وضعية غزة، التي هي عبء مؤكد، يريد الخلاص منه!
غموض اللحظة السياسية الراهنة، ليس في مصلحة التسوية، ولا في مصلحة السلطة، وليس أفدح من فقدان الشفافية، في هذه المرحلة، التي هي بمثابة مفترق طرق؛ لأن توسيع دائرة المشاركة السياسية، التي تشمل القوي والفصائل، هو طوق النجاة من حالة الحصار السياسي. فلا فك للقيود، ولا نهاية لأي حصار، من خلال ترتيبات أو تفاهمات غامضة، تفتح الباب واسعاً للتأويل، وللتحشيد والتحشيد المضاد، علي النحو الذي يتهدد وحدة الوجدان الفلسطيني، أي الوحدة الحاضرة في غياب وحدة الموقف السياسي الفلسطيني، وفي غياب استراتيجية العمل الفلسطيني الواحدة، وفي غياب الحوار الفعال، وصولاً الي هذه الاستراتيجية! - القدس العربي -