إن من يتهاون في حق بلاده ولو مرة واحدة يعيش أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان كلمة قالها طيب الذكر الزعيم الكبير مصطفي كامل وسيرددها معه الأحرار من المصريين إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ومصطفي كامل ذلك المجاهد الأصيل الذي دافع عن مصر في جميع المحافل الدولية حتي مات بالسم الزعاف؛ الذي وضعه له الإنكليز في محاولة لإخماد صوته وقتل مشروعه.. ولكن هيهات هيهات! فإن مصر لم تُعدم الشرفاء أبداً الذين سيرفعون راية هذا الجبل الأشم، ويخلصون لدعوته، والدليل علي ذلك أن رايته لم تسقط والتقفها صديقه الكريم المؤرخ الإسلامي محمد فريد بك ـ رحمه الله ـ وفتحي رضوان، وعبد العزيز علي، والعديد من المصريين الشرفاء. إلا أن القوي الخفية المتربصة بمصر والمصريين قد اخترقت العديد من شرائح الشعب المصري ومؤسساته لضرب مشروعه الوطني التحرري ولوأد طموحاته المشروعة وآماله الغالية؛ قامت هذه القوي المعادية لمصر والمصريين بوضع أخلص رجالهم في المقدمة لقيادة الشعب المصري وعلي رأسهم سعد زغلول ـ شقيق فتحي زغلول الذي حكم علي المصريين بالإعدام في حادثة دنشواي الشهيرة ـ التلميذ النجيب للورد كرومر حاكم بريطانيا لمصر إذ يقول سعد زغلول في مذكراته عن صداقته مع اللورد كرومر: كان يجلس معي الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتي كي أتنور فيها في حياتي السياسية . ولعل من الحقائق العجيبة أن اللورد كرومر أعلن عام 1907 أنه يترك مصر مستريحاً لأنه أقام فعلاً القاعدة الأساسية لاستدامة الاحتلال وكان في هذا العام قد ألف حزب الأمة، وأصبح لطفي السيد حامل لواء (الجريدة)، وسعد زغلول وزيراً للمعارف.

يقول سعد زغلول عن أثر استعفاء كرومر من منصبه عام 1907 أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة علي رأسه أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بآلامها لشدة هولها!! . وكم حذر مصطفي كامل من هؤلاء العملاء والمندسين ولكن يد الغدر قتلته ونفت خليفته محمد فريد إلي ألمانيا ليموت هناك غريباً وحيداً يشكو العوز وغدر الجبناء.

عاشت مصر بعد مصطفي كامل ورياح الأعداء تضربها من كل جانب ولضيق المساحة سنتحدث عن استباحة أرض مصر من قبل الأعداء والخونة:

(1) في عام 1931 قام عدو الحركة الوطنية أحمد باشا زيور رئيس وزراء مصر الأسبق بتسليم إيطاليا مناطق شاسعة من الأراضي المصرية وضمها للأراضي الليبية التي كانت شبه خالية من السكان والتي يبلغ مساحتها ضعف مساحة مصر. والمناطق التي ضمت هي: (الكفرة)، و(جغبوب)، و(جالو)، (وبرقة).

(2) اهداء الملك فاروق ميناء العقبة إلي ملك الأردن عام 1949 دون الرجوع إلي الشعب المصري. (3) استيلاء إسرائيل عام 1949 علي قرية (أم الرشراش) المصرية علي البحر الأحمر وتسميتها (إيلات) امتناناً للجنرال إيلات مندوبهم الدائم في الأمم المتحدة عند قيام دولتهم الاستيطانية عام 1948. والعجيب أن جميع حكام مصر دون استثناء لم يجرؤوا علي المطالبة بعودة الأراضي المصرية إلي الوطن.

(4) في عام 1955 قام البكباش صلاح سالم في التفريط في أكثر الأراضي المصرية بعد أن رقص عريانا مع قبائل (الدنكا) في جنوب السودان حيث إن حدود مصر التاريخية كانت حتي الجندول الرابع أي أكثر من 200كم جنوب العاصمة الخرطوم ومن المعروف أن مصر والسودان كانتا دولة واحدة تسمي دولة (مصر والنوبة). (5) قامت الأجهزة القمعية منذ بداية الستينات وحتي عام 1967م بإرعاب المصريين في السجون بأشد وسائل التعذيب قسوة كما يفعل الأمريكان الآن بالعراق، أفغانستان مما جعل المصريين لا يستطيعون التصدي لإسرائيل أكثر من ست ساعات واحتلت سيناء بالكامل، وعندما عادت بعد حرب رمضان المجيدة عادت ناقصة السيادة ولم تعد أم الرشراش إلي الوطن الأم.

(6) منذ بداية الثمانينات ظهر في مصر دولة بوليسية تحكم بقانون الطوارئ، وتسوم المصريين سوء العذاب في جميـــع الاتجاهات حيث أصبح التفنن فـــــي تعذيب المصريين في السجون ومراكز الشرطة قاعدة عامة، وهذا كله مقدمـــــة لبيع مصر والمصريين في سوق النخاسة، وهي مقدمات لتسهيل احتلال الكيان الإسرائيلي لسيناء مــــرة أخري بعد أن دفع آلاف الشباب المصري دماءهم الغالية ثمناً لتحريرها.

(7) ذكرت صحف الكيان الصهيوني الرسمية في 6/5/2004 خبراً وقع علي شرفاء مصر وقع الصاعقة (أن العدو الصهيوني يطالب بأن يأخذ الفلسطينيون 600كم مربع من سيناء مقابل أن يحصل المصريين علي 200كم مربع من صحراء النقب القاحلة). وهذا أمر خطير للغاية للأسباب التالية:

(أ): مكتوب علي (الكنيسيت) من النيل إلي الفرات أرضك يا إسرائيل. (ب): إن سيناء تعتبر تاريخية بالنسبة للكيان الصهيوني ويعتبرونها ملكاً لهم. (ج): لو فرضنا أن هذا حدث لا قدر الله فهل تستطيع مصر دخول الحرب ضد إسرائيل لو احتلتها الأخيرة من الفلسطينيين كما تفعل مع الضفة والقطاع. (د): إن الحكومة المصرية لا تعطي أي قيمة أو وزن لمواطنيها والمنظمات غير الحكومية مقابل ذلك يوجد سلبية كبيرة بين المصريين وهذا يجعل المزيد من الأراضي المصرية عرضة للنهب من قبل المتربصين بمصر والمصريين. وإزاء هذا الوضع السيئ نطالب بالتالي:

(الأول): ألا تنصاع الحكومة المصرية للابتزاز الصهيوني ولا توافق أبداً علي هذه الخطة بل تطالب إسرائيل أن تعطي الفلسطينيين الستمئة كيلومتر من صحراء النقب وليس من سيناء طبقاً لتقسيم 1947 والتي هي من نصيب الفلسطينيين مع ملاحظة أن فلسطين كلها ملك للفلسطينيين. (الثاني): أن يخرج الشعب المصري من هذه السلبية التي لو استمرت ـ لا قدر الله ـ لأصبح شعباً من تنابلة السلطان. (الثالث): ألا تقوم الحكومة المصرية بحرمان الشعب من أداء دوره، وألا يستسلم الشعب لهذا الظلم ويقوم بالتصدي للفساد والمفسدين بالتعبير اللفظي والمواقف العملية بالطرق السلمية، والمطالبة بحقه في التظاهر والإضراب ولو أدي الأمر للعصيان المدني. وليتذكر شعب مصر كلام زعيمه مصطفي كامل إن من يتهاون في حق بلاده ولو مرة واحدة يعيش أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان ولو جاء جيل يتمسك بهذه المقولة والأخلاق الإسلامية التي كان يتمسك بها مصطفي كامل ستتحرر العراق وفلسطين وجميع أراضي العرب والمسلمين لأنه سيكون جيل من الشرفاء الربانيين يقوم بسحق الطغيان والطغاة والظلم والظالمين أما غير ذلك فإن العبيد لا يقيمون حضارة ولا تحريراً.

(الرابع): أن يقف الفلسطينيون حكومة وشعباً ضد توطينهم في سيناء للأسباب التالية: (1): إن هذه خطة خبيثة لطرد الفلسطينيين من أرض فلسطين التاريخية وترحليهم إلي سيناء ثم قد يقوم (الكيان الصهيوني) في خطوة لاحقة باحتلال سيناء وطرد الفلسطينيين وتهجيرهم إلي البلاد العربية والإسلامية أو إلي كندا وأمريكا. فالصهاينة لا عهد لهم كما أن لديهم مخططات جهنمية لا يعلمها إلا الله.

(2): تنص الخطة أن تخضع الضفة وقطاع غزة تحت الوصاية الأمريكية الأردنية المصرية وبذلك لا يكون للفلسطينيين الحق في إقامة دولتهم المستقلة علي ترابهم الوطني وهنا مربط الفرس. فيا أهلنا الأماجد في فلسطين! لا تنساقوا إلي المخططات الجهنمية التي سيحاول أن يسوقها لكم هؤلاء الأوغاد؛ قتلة شعوبهم من حكام العرب أو الأوغاد قتلة الأسري في أفغانستان وفي سجن أبي غريب من أبناء العم سام الصهاينة. - القدس العربي -