السمين في فوز بوش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، هو الجانب الذي زعزع الموقف الفرنسي المتبجح منذ حرب اسقاط نظام صدام حسين... فالنظام الفرنسي الذي كان يفكر باجراء مؤتمر لقوى معروفة بعمالتها لنظام صدام، بحجة انه يريد لم شمل العراقيين كلهم، لم يعد يتكلم عن هذه القوى... خصوصا بعد أن أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق اليوم الخميس انها اتخذت قرارا يسمح للعراقيين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات المقررة في كانون الثاني /يناير المقبلة. وبوش سيعمل ما في وسعه لنجاح هذه الانتخابات: "سنعمل مع حكومة علاوي لتحقيق هدفنا اي الانتخابات وهي طريق نحو الاستقرار. وسنواصل تدريب الجنود كما ستكون لقيادتنا ما تريده لضمان تنفيذ مهمتنا".

****

النظام الفرنسي الذي يعرف ان يدا سوريا وراء اختطاف الصحفيين الفرنسيين، سكت عما يجري في لبنان علنا من فرض حكومة موالية للنظام السوري ضاربا عرض الحائط كل قرارات الأمم المتحدة.. قرارات ستدافع عنها حد التدخل ربما عسكريا، فترة حكم بوش المقبلة. وأفضل شهادة على ذلك أن النظام السوري أخذ يقشعر وبدأ يلعب طبيعته السورية المهادنة. ففي رسالة وجهها بشار الأٍد الى بوش بمناسبة فوزه قال: "أملي كبير فى ان يكون الحوار الجاد والالتزام بالمبادئ التى قامت على اساسها دولة الولايات المتحدة الاميركية وبالشرعية الدولية وميثاق الامم المتحدة سبيلنا لتعزيز العلاقات بين بلدينا والعمل معا من اجل احلال السلام العادل والشامل فى منطقتنا". طبعا رسالة موجهة الى الشعب السوري المسكين أكثر منها الى بوش! وقصد الرئيس المأمور من قبل الحرس القديم هو التالي: سرا نحن في خدمتكم ايها الأمريكان، وعلنا نحن ضدكم... اطلبوا رأس أي تنظيم او حركة ارهابية، ونحن سنقطعها على وجه السرعة. وطبعا هذه هي قوة النظام السوري: يستطيع ان يقدم الف خدمة للإسرائيليين والأمريكان مقابل ان يبقى الحرس القديم شادا قبضته على رقاب الشعب السوري.

لكن الذعر ذعر وبوش سيبقى بوش كما وضح بين سطور عباراته التالية: "سنثابر حتى نهزم العدو وسنبقى اقوياء ومصممين... كل دولة متمدنة لها مصلحة في نتيجة هذه الحرب. مهما كانت اختلافاتنا في الماضي... لدينا واجب مشترك بحماية مواطنينا ومواجهة الامراض والمجاعة... سنواصل مد اليد الى شركائنا في الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي... لا اوافق الرأي اولئك الذين يقولون ان بعض المجتمعات لا يمكن ان تكون حرة.. ففي حال اردنا حقا حماية بلادنا على المدى الطويل فافضل طريقة لتحقيق ذلك هي الترويج للحرية والديموقراطية."

****

لكن هناك حدث لم تحسب له حسابا الحكومة الفرنسية: موت عرفات في هذه الظروف. ذلك انه عندما قبلت فرنسا استقبال عرفات على اراضيها كمريض وان يُعالج في مستشفياتها، لم تكن واثقة من انتصار بوش، رغم ان عددا من المحللين السياسيين توقعوا هذا الفوز، وارادت جعل استضافتها لعرفات ورقة دولية تلعب بها مع كيري في حال فوزه الانتخابات، لتقرير مصير منطقة الشرق الأوسط باتجاهها. والحساب هذا الذي نسيته فرنسا، هو أن بوش فاز وأمامه اربع سنوات من سياسة على فرنسا ان تتحملها. وإنه سيتابع، كما وضح في حديثه الصحفي مساء اليوم، سياسته التي بدأها عام 2002 رغم انه سيجري تغيرات في حكومته. كما أن الصقور هي الفائزة في نهاية الأمر. محور الشر الآن ايضا مثلث: كوريا الشمالية، إيران... وسوريا بعد ان كان العراق.

***

ما إن أعلن فوز بوش، حتى أخذت تتكرر غيبوبات عرفات إلى أن استقرت بغيبوبة رقم 4 الموت الدماغي.... وما دور الأطباء الفرنسيين سوى محاولات يائسة، بتأخير إعلان موته الرسمي. أما زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى عرفات بحجة التأكد من صحته، فهي الكذبة على الطريقة الفرنسية التي تليق بآداب المائدة. فعرفات، والنظام الفرنسي يعرف هذا، وصل جثة إلى فرنسا.. وبالتالي ما عليها إلا أن تؤخر إعلان موت عرفات، حتى تنظم خلافة رسمية قوية بوجه السياسة الأمريكية المصابة فعلا بورم القضية الفلسطينية.. ومن الملاحظ ان وسائل الاعلام الفرنسية غيرت لهجتها في التعامل مع قضية عرفات، بل حتى اضطرت الى دعوة اشخاص معتدلين في البرامج المخصصة لمسألة عرفات والقضية الفلسطينية.. فمثلا لم نعد نرى سفيرة فلسطين اللبنانية ليلى شهيد ولا الياس صنبر ولا أي مما يسمى بالصقور الفلسطينية التي هي لا صقور ولا حمامات وانما مجرد مافيا استخدمها عرفات لفرض الرأي الواحد.

ليس أمام فرنسا سوى اتخاذ موقف واضح من مفهوم الارهاب كله، وبالتالي من حركات ما يسمى "المقاومة" في العالم العربي، وأن تمسك بمساندتها للقضية الفلسطينية كقضية يجب حلها وليس كورقة سياسية في القرارات الدولية... ورقة من أجل مصالح فرنسا أولا وأخيرا... فرنسا يحكمها حاكم فقد ولاءه اليميني ليلعب على اليسار... لا يفكر إلا بالفترة التي يحكم بها... لكنه لا يدري ان آلاف الارهابيين نائمون ربما لكنهم سيستيقظون في اللحظة المناسبة للارهاربيين... والمتأخرة للشعب الفرنسي. وهذا يعني ان فرنسا ستدفع ثمن سكوتها على البعد الارهابي لهذه القضايا. على فرنسا أن تعي أيضا أن دورها تضاءل اليوم في اوروبا خصوصا بعد أن قوى فوز بوش، العنصر الأساسي في الحوار المسالم المقبل، بين أوروبا والولايات المتحدة، ضد الإرهاب الدولي عموما والعربي خصوصا... والعنصر هو هذا الذي وقف بوجه كل الرياح في اعظم حرب تحرير (حرب اسقاط نظام صدام) صلبا صلابة الأمير الشكسبيري هاملت: توني بلير! - ايلاف -