يأتي شطب المادة 24 من مشروع القانون المعدل، لقانون انتخابات السلطات المحلية، في جلسة المجلس التشريعي في جلسته بتاريخ:21/10/2004، التي تنص على "ألا يقل تمثيل أي من الجنسين في مجالس الحكم المحلي عن 20%"؛ ليطرح أسئلة بالغة الجدية في حياتنا السياسية والمجتمعية. يأتي بعد أن كنا قد استرحنا لنتائج استطلاعات الرأي، التي أجريت في العام 2004، والتي أكدت جميعها على أن حوالي 70% من الشعب الفلسطيني، يؤيد حق النساء في الوصول إلى مراكز صنع القرار، في البلديات والمجلس التشريعي، وبعد أن أكدت الحركة النسوية، وعدد من الفصائل، والأحزاب السياسية، والشخصيات العامة، والعديد من مؤسسات المجتمع المدني؛ أن مطلب التدخل الإيجابي لصالح النساء (Affirmative Action)، ليس مطلب الحركة النسوية بأسرها فحسب؛ بل هو مطلب المجتمع بأسره. فما الذي جرى؟ وأين يكمن الخلل؟
هل نريح أنفسنا ونقول: إن الخلل يكمن في وعي أعضاء المجلس التشريعي، الذي يتخلف عن وعي المجتمع؟ أم في لا مبالاة بعض من تغيب عن قصد أو غير قصد؟ أم في نظرية المؤامرة؟ هل هي كل ذلك، أم هي أكثر تعقيداً؟!
حين يتصفح المرء الكتابات التي تناولت موضوع الكوتا النسائية؛ يلحظ آراء متضاربة، وطرائق تعبير متنوعة ومتعددة. أسهل الطرق: أن نصبّ جامَ غضبنا على من وقف ضدنا، وإطلاق نعوت كثيرة عليه، أصغرها عداء النساء، وأكبرها انعدام الوعي. وأصعب الطرق، أن نبتعد عن الاتهامات والنعوت ومنطق التخجيل، وأن نقارع الحجة بالحجة والرأي بالرأي، كما فعل كل من د. نادر سعيد في مقالته بعنوان "الكوتا، الإنصاف الديموقراطية!!" وجهاد حرب في مقالته بعنوان "الكوتا النسائية وقانونية التصويت في المجلس التشريعي". الأصعب والأجدى، أن نخوض نقاشاً مجتمعياً جاداً حول كل نقطة تخص القانون، أو تخص واقع المرأة، حتى نضمن تدخلاً إيجابياً من المجتمع لصالح الكوتا النسائية. أعتقد أننا نقع في خطأ كبير، إذا ما تعاملنا بمنطق قبلي، يعتبر أن كل من ليس معنا في معركة التدخل الإيجابي لصالح النساء، هو ضدنا بالضرورة.
لنتذكر أن السيد صائب عريقات، الذي كان متحمساً للتدخل الإيجابي لصالح النساء العام 1996م، حين أصدر قراراً بتعيين نساء في المجالس المحلية؛ هو ذاته الذي امتنع عن التصويت على التدخل الإيجابي الذي لم العام 2004م، حتى مع صدور قرار وزاري ملزم للوزراء بدعم القانون.
أعتقد أنه لا يمكننا التعامل بالطريقة نفسها، مع جميع المعارضين للكوتا النسائية، ولا يمكن أن نحاكمهم بالطريقة نفسها، كي نريح أنفسنا. فإذا كانت هناك معارضة للكوتا النسائية، تعود إلى الفكر الذكوري المجتمعي، الذي يرى أنه لا يمكن الاعتداد برأي المرأة: "المره بنص عقل"، "لا تاخذ براي المره ولا تتبع الحمار من ورا"، "اسمع للمره ولا تاخذ برايها"؛ فإن هناك معارضة تعود إلى إيمان حقيقي بقدرات المرأة، وإمكانية وصولها إلى مواقع صنع القرار، دون تدخل قانوني؛ ما يوجب علينا التعامل مع كل منطق على حدة، دون الاستهانة بأي من المنطقين.
علينا النزول إلى الميدان، والإصغاء إلى أصوات النساء، في كل المواقع، ومناقشتهن لا تنفيرهن عبر إطلاق الأحكام الجاهزة عليهن: "النساء مغلوبات على أمرهن ويقعن تحت هيمنة الرجال" "النساء سوف يشكلن جزءاً ممن تسعى الحركة النسوية إلى دمجهن في التنمية والعمل العام والصمود الفلسطيني وتطوير واقعهن".
علينا أن نترك المنطق الفوقي والخدماتي في التعامل مع النساء، وأن نعي أننا حين نتوجه إلى النساء ببرامج تثقيفية توعوية، فنحن نتعلم منهن أولاً: نأخذ حكمتهن وخبرتهن العملية، قبل أن يأخذن منا برامج التثقيف والإرشاد؛ ما يمكن أن يغني الحركة النسوية ويثريها، ويساعدها في رسم سياساتها وتوجهاتها وبرامجها. وإذا كنا نسعى إلى قناعات مجتمعية، فنحن أمام تحد كبير، وسلاحنا المزيد من العمل، والمزيد من الحوار، والقليل من التواضع، والكثير من اليقظة.
تحية إلى الحملة الوطنية لتطوير مشاركة المرأة في الانتخابات، وتحية إلى كافة الجهود المجتمعية، التي تسعى إلى الالتجاء إلى القانون، حكماً في الوصول إلى القرارات المنصفة للنساء، ودعوة إلى الحركة النسوية إلى المزيد من الارتباط بجماهير النساء، في كافة أماكن تواجدهن، وإلى الاستماع الواعي إلى رأي النساء، ضمن منهج نسوي، لا يقصي الآخر ولا يسعى لإلغائه تحت أي مسمى.
*****
إذا كان البشر هم الثروة الحقيقية للأمم، وإذا كانت المرأة نصف المجتمع، فإن التنمية لا يمكن ان تتحقق إلا بتفعيل مشاركة المجتمع كله، لا نصف طاقته. وإذا كانت المرأة قد رضيت في هذه المرحلة بالحد الأدنى من التدخل الإيجابي لصالحها: 20%؛ فهي لن ترضى بعد أن ترص صفوفها، وتثبت أقدامها أكثر وأكثر في الحياة السياسية، وتضاعف من نضالها في كافة الميادين؛ إلا أن تخوض معركة انتخابية متكافئة مع شقيقها الرجل، كي تصل إلى حقها في تمثيل نصف المجتمع: 50% في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وفي السلك القضائي، وفي كافة مناحي الحياة.