ظن كثيرون للوهلة الاولى ان حركة «حماس» وقتت تنفيذ عمليتي تفجير حافلتي الركاب في بئر السبع الثلثاء الماضي توقيتاً يحرج السلطة الفلسطينية ومصر في وقت ازداد فيه تأكيد رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون انه عاقد العزم على تنفيذ الانسحاب الاحادي الجانب من قطاع غزة واخلاء اربع مستوطنات صغيرة في شمال الضفة الغربية. لكن محللين عسكريين اسرائيليين رأوا ان التوقيت لم يكن له علاقة بأي شيء سوى توافر الفرصة المناسبة لتنفيذ عملية كـ«احد الردود» على اغتيال مؤسس «حماس» الشيخ احمد ياسين وخليفته في قيادة الحركة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. وسارع المسؤولون الاسرائيليون فور وقوع التفجيرين اللذين نفذهما شابان من مدينة الخليل الى التشديد على فاعلية الجدار الفاصل الاسرائيلي في منع وقوع هجمات داخل اسرائيل، مشيرين الى ان منفذي عملية بئر السبع سلكا طريقاً لم يبدأ فيه بعد بناء مقطع الجدار في جنوب الضفة الغربية. واتخذت اسرائيل ذلك ذريعة لتسريع بناء ذلك المقطع.
وبدا واضحاً ان الاسرائيليين ذهلوا من نجاح تنظيم «حماس» في الخليل في الحفاظ على سرية خلاياه مثلما صدموا بفداحة الخسائر البشرية في بئر السبع.واقر المحللون الاسرائيليون بوجود «ثقب اسود» في المعلومات الاستخبارية عن تنظيم «حماس» في الخليل، ورجحوا عدم وجود تنسيق بين ذلك التنظيم المحلي وقيادة «حماس» في غزة. ويطعن هذا الاقرار في صدقية اتهام سورية باي علاقة لها بعملية بئر السبع.
والواقع انه لا ينبغي اضاعة اي وقت في التكهن حول غاية «حماس» من تنفيذ عمليتها في ذلك التوقيت بالذات. ذلك ان جرائم الحرب الاسرائيلية صارت تتكرر يومياً في عهد شارون وازدادت وتيرتها عما كانت عليه في عهود اسلافه، وهي تشمل القتل والاغتيالات والاعتقالات التعسفية وهدم البيوت وقلع الاشجار المثمرة واشكالاً اخرى من الفظائع والاعمال الوحشية، من دون ان تستطيع اي جهة اقليمية او دولية ردع اسرائيل.
ومن الامور المؤسفة بالطبع ان الدولة الوحيدة القادرة على وقف جرائم الحرب الاسرائيلية تلك، وهي الولايات المتحدة، تشهد في خضم حملات انتخابات الرئاسة تنافساً بين المرشحين الجمهوري جورج بوش والديموقراطي جون كيري على استرضاء اسرائيل واللوبي الصهيوني في اميركا بغض النظر عن انعكاسات ذلك على حقوق الفلسطينيين وحياتهم ومستقبلهم. وقد كرس الحزب الجمهوري في برنامجه الانتخابي الرسمي قبل ايام تعهدات بوش لاسرائيل، ومن بينها اعتبار المستوطنات اليهودية الكبرى في الضفة الغربية «وقائع جديدة على الارض» تفرض «استحالة» العودة الى خطوط الهدنة لعام 1949! وامس اكد شارون، متشجعاً بـ «وعد بوش» ذاك، في كلمة القاها في احدى مدارس مستوطنة «معاليه ادوميم» الى الشرق من القدس المحتلة تصميمه على توسيع الاستيطان، الامر الذي يبين بوضوح ان شارون يرى ان قراره الانسحاب من قطاع غزة يجب ان يقابله ترسيخ الهيمنة الاسرائيلية على الضفة الغربية. وفي النهاية قد لا يستطيع شارون تنفيذ الانسحاب من غزة بالنظر الى تجذر المد اليميني المتطرف في اسرائيل المعرض لاخلاء اي مستوطنات. وهكذا فالارجح ان تفشل خطة شارون «السياسية» وتنجح خطته التوسعية. ولن تزيد عمليات «حماس» الامور سوءا بالنسبة الى الفلسطينيين ما دامت اسرائيل لا تعتبرهم شركاء سلام وتغتصب حقوقهم واراضيهم بنهم. - الحياة اللندنية -