باسمة برقان، عاملة اجتماعية في الثامنة والعشرين من القدس، لا تسمح لنفسها بأن تتحرك فيما يتجاوز قطر 5 كيلومترات داخل المدينة - بين بيتها في حي أبو طور، ومكان عملها في المدينة القديمة، والمركز الطبي الذي تتلقى فيه علاجا طبيعيا في أعقاب حادثة سير. وذلك، لان وزارة الداخلية لم تجد انها تستحق بطاقة هوية، بالرغم من ان والديها واخواتها، الذين تسكن معهم، هم من سكان القدس؛ وان والديها وُلدا في المدينة. "مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية" يُقدر ان وضع بضع عشرات من المقدسيين الآخرين يشبه وضع برقان.

مع عدم وجود بطاقة هوية، تُحدد كل حركات برقان. يصعب عليها ان تواصل دراستها: فالجامعة العبرية لا تقبل شخصا بلا بطاقة هوية، وتستطيع ان تصل الى الجامعات الفلسطينية فقط عن طريق حواجز الجيش الاسرائيلي - التي لا تستطيع ان تمر بها بالطبع بلا بطاقة هوية؛ وهي لا تستطيع ان تبحث عن عمل في مؤسسات رسمية؛ وليس لها تأمين صحي - فالعلاجات الطبيعية العاجلة تمولها من جيبها وتدعو الله ان لا تحتاج الى علاجات اخرى.

حتى السفر في المواصلات العامة ممكن بصعوبة بالنسبة لها - فالشرطة الاسرائيليون يحرصون على فحص من هم الركاب في كل سيارة في شرقي القدس، وفي البحث عن فلسطينيين من سكان الضفة بلا تصاريح دخول الى اسرائيل؛ وقد حدث ان طلب سائقون ان تترك سياراتهم، عندما أدركوا انها لا تملك بطاقة هوية.

في ايلول 2004 أصيبت برقان بحادثة سير، عندما علق فستانها بباب سيارة أجرة نزلت منها. مضى السائق، وجُرت لعدد من الأمتار. عندما وقف، بالرغم من انها جُرحت، منعت المشاة من استدعاء الشرطة. انصب خوفها كله على ان لا تُطرد الى الاردن. مع عدم وجود بطاقة، لم تكن حتى تستطيع ان تُبلغ عمن تسبب لها بالاصابة لتمويل علاج جراحها.

برقان هي من مواليد الكويت، حيث عمل والدها هناك. في عام 1991، بعد حرب الخليج، عندما طردت الكويت آلاف الفلسطينيين الذين عاشوا فيها خلال عشرات السنين، انتقلت مع عائلتها الى الاردن. في عام 1995، عندما تمت لبرقان ثماني عشرة سنة، عادت العائلة الى القدس، مسقط رأس والديها. كانت والدتها هي الوحيدة التي حازت زمن رجوعها بطاقة هوية مقدسية، لأن أباها لم يكن في اسرائيل في عام 1967، عندما أُجري إحصاء سكانها.

في عام 2000، باجراء متصل مرهق لـ "لم الشمل"، حصل الأب وعدد من أخوات برقان، وُلدن مثلها في الخارج، على بطاقات هوية مقدسية. حصلت الأخوات اللاتي تزوجن من مقدسيين، على مكانة ساكنات مؤقتات - في اجراء لم شمل مع أزواجهن. سُجلت أختها الصغيرة كابنة شرعية لأمها، في بطاقتها المقدسية. لكن منذ 1995 رفضت وزارة الداخلية طلبات برقان للم الشمل بحجة انها "بالغة".

"وفق الاجراء، الغريب الذي يطلب الحصول على منزلة في اسرائيل يستطيع ان يحصل عليها اذا ما تزوج ساكنا أو مواطنا اسرائيليا، أو اذا كان صغيرا مولودا لوالد اسرائيلي"، هذا ما أبلغت عنه وزارة الداخلية صحيفة "هآرتس". ولقد أوصى موظف في وزارة الداخلية الأم ان تزوج ابنتها، لكي تحصل على بطاقة هوية عن طريق العريس؛ "خسارة إنفاقكم المال مرة تلو الاخرى على تقديم الطلب"، قال. لكن يتضح انه بسبب الصعوبات البيروقراطية ترتدع عائلات من شرقي القدس عن ان تحاول التوفيق بين أبنائها ونساء بلا هويات.

في ضائقتها توجهت برقان الى اسرائيلية وعدت، لقاء بضع عشرات آلاف الشواقل، بأن تحصل لها على بطاقة هوية من وزارة الداخلية. لم تصل البطاقة المأمولة، واتضح ان برقان ليست المقدسية الوحيدة التي سقطت ضحية لهذه المخادعة.

توجهت برقان الى "مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية"، الذي يقدم مساعدة قانونية للذين يصطدمون بالسور البيروقراطي لوزارة الداخلية والتأمين الوطني. زياد حموري، مدير المركز، يُقدر عدد المقدسيين الذين يشبه وضعهم وضع برقان ببضع عشرات. ويقول "بالرغم من الوعود، فان سياسة التسويف المقصودة لوزارة الداخلية مستمرة".

جاء عن وزارة الداخلية لصحيفة "هآرتس" ان "من حق البالغ ان يُقدم طلب رخصة في الاقامة الدائمة والموضوع يُفحص في حقيقة الامر". جاء كذلك عنها انهم في الفحص عن الطلب يأخذون في الحسبان الظروف مثل صلة مُقدم الطلب بوالديه وبأبناء عائلته، ومكانتهم كسكان. يتضح انه في ظروف برقان لم يأخذوا الامر بالحسبان حقيقة: ففي أيار 2004 كتب المحامي محمد قدح، من مركز القدس، رسالة لوزير الداخلية آنذاك، ابراهام بوراز، يطلب اليه ان يمنح برقان رخصة في الاقامة الدائمة - بلا نتيجة. في كانون الثاني 2005 توجه قدح مرة اخرى برسالة الى وزارة الداخلية، بطلب آخر لمنح برقان الرخصة. لم يحصل على إجابة بعد، وما تزال برقان تخاف الطواف في شوارع مدينتها القدس.