في الايام السابقة لانتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية شرح مرشح «فتح» الذي فاز في تلك الانتخابات محمود عباس (ابو مازن) غير مرة بوضوح تام انه سيعمل من اجل وقف النار بين الفلسطينيين واسرائيل وانه ضد عسكرة الانتفاضة وسيسلك السبل الديبلوماسية وصولاً الى تنفيذ خطة «خريطة الطريق» والى اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

ورأى «ابو مازن» ان العمليات الانتحارية باتت تعود على الفلسطينيين بأضرار مادية وسياسية فادحة تفوق بكثير اي خسائر قد يتكبدها الخصم الاسرائيلي، وان هذا الاسلوب في مكافحة الاحتلال لم يعد مستساغاً، خصوصاً بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة.

وبالطبع كان «ابو مازن» وما زال يتوقع في المقابل ضغطاً اميركياً على الحكومة الاسرائيلية لتوقف بناء الجدار الفاصل، بل تزيله حسب توصية محكمة العدل الدولية، ولتوقف التوسع الاستيطاني وتشرع في تنفيذ «خريطة الطريق» التي كرر دوماً انه لا يطلب اكثر من تطبيقها هي والقرارات الدولية ذات الصلة كالقرارين 242 و338 والقرار 194 الخاص بحق اللاجئين في العودة الى ديارهم والتعويض عليهم.

ووجد برنامج عباس السياسي والاصلاحي عموماً تجاوباً من جانب اعداد كبيرة من المواطنين، خصوصاً بعد معاناتهم الشديدة من الاعتداءات الاسرائيلية والحواجز العسكرية وعمليات القتل والاعتقالات وهدم المنازل وتخريب المزارع وقطع الاشجار وسد طرق كسب العيش، اضافة الى انه لقي تشجيعاً من اطراف اقليمية ودولية. ولعل «ابو مازن» توقع مقابل توصله الى اقناع الفصائل الفلسطينية كافة بهدنة مفتوحة ان يعمل رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون من جانبه على تثبيت هدنة حقيقية لا تشمل وقف النار وحسب، وانما ايضاً وقف التوسع الاستيطاني والانسحاب من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية ووقف بناء الجدار والشروع في تفكيكه، والاسراع في تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة واعادة ربطها بـ«خريطة الطريق»، خصوصاً ان الانتفاضة التي اوقفت الآن كانت قد الحقت خسائر فادحة بالاقتصاد الاسرائيلي.

ولكن على رغم اعلان «ابو مازن» وشارون في قمة شرم الشيخ التي دعا اليها الرئيس المصري حسني مبارك وحضرها ايضاً العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في الثامن من شباط (فبراير) الماضي التزامهما وقف العنف وموافقة شارون على تنسيق الانسحاب من قطاع غزة واطلاق نحو 900 اسير فلسطيني ووقف الاغتيالات وسحب قوات الاحتلال من المدن الفلسطينية التي اعادت اسرائيل احتلالها فان قوات الاحتلال تلك ما زالت الى اللحظة في معظم مدن الضفة، واسرائيل وحدها قررت المعايير التي بموجبها تطلق الاسرى والسجناء الفلسطينيين.

والملاحظ هو ان شارون وأقطاب حكومته يرفضون استخدام تعبير «انسحاب من المدن الفلسطينية» ويستخدمون باستمرار تعبير «نقل السلطة الامنية في المدن». وما يعنيه هذا هو ان الحكومة الاسرائيلية تفترض انها هي المسؤولة العليا عن الامن في كل الاراضي التي تسميها «المناطق» من دون ان تصفها بانها محتلة او فلسطينية وانها اذا اخرجت قواتها من مدينة ما فانما تنقل السلطة الامنية الى قوات الامن الفلسطينية وتعتبرها مسؤولة عن حفظ الامن نيابة عن اسرائيل.

وقد شكا «ابو مازن» مساء الاربعاء للمنسق الامني الاميركي الجنرال وورد من عدم احترام اسرائيل للتعهدات التي قطعتها في قمة شرم الشيخ. والاسوأ من ذلك ان اسرائيل ماضية في البناء الاستيطاني التوسعي وتخنق القدس بالجدار الفاصل الذي تضم به مساحات كبيرة من اراضي الضفة الغربية. واذا استمرت الحال على هذا المنوال لن يبقى هناك امل بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وستتلاشى بالطبع فرص تحقيق السلام والاستقرار ويعود الطرفان الى دوامة العنف. - (الحياة اللندنية 8 نيسان 2005) -