تشد الكلمات بعضها شداً لتعبر عن هم صاحبها , بينما يعتصر صاحبها نيابة عن الجميع في مداخلته بنقطة نظام , يدرك أن أحداً ممن يقصدهم لن يسمعها سلفاً , إلا أولئك الباحثين عن صفحات يقرأوها أمثال الباكين و أشباه الباسمين في هذا المكان الضيق من الأرض, بعد أن نصب لهم الكاتب فخاً من خلال عنوان مقالته لعله يستميل ما تيسر من القراء حتى يشاركوه الفكرة .

و كي لا تكون بداية تراجيدية كما لا أراها, أجدني الآن بعيداً عن دوائر العرض و خطوط الطول , هائماً في منظومة من المركبات المكونة لخلطة المجتمع الغزاوي , بعد أن اتحدت أحماض اليأس مع قلويات الإحباط , في طريقها نحو تفاعلٍ غير محمود قد ينتج عنه الانفجار كما لا نتمنى … الآن يا سادة أراني كما لم أكن قبل هذا اليوم سابحاً في ملكوت الرئيس أبي مازن, أفكر و أتدبر فيما نحن عليه , حيث لا ماء و لا خضراء و لا وجه حسن في بلاد الحيارى, في حين كانت سحابات الوعود الأريحية في موسم الشتاء و السنونوات و انتخابات الرئاسة تغطي سمائنا ,و لا زلنا ننتظر الغيث غير مدركين أن السحابات قد تبخرت من حيث لا نتوقع إلى حيث لا نأمل .

قد يسيء فهمنا من لا يعرفنا و يتهمنا بأننا ضد الحكومة أو الرئيس و ما نحن كذلك و حق من استوى على العرش, و لكنها لحظات الوقوف مع ما يدور في مجالس العامة من الشعب, الذين نشاركهم فيها حقهم في الشكوى بعد أن تأخر ما كانوا به يوعدون, و صاروا يسيرون يلعنون أم أم السياسة و أحاديث الساسة , ساعين لأي بصيص أمل قد يجعل الله فيه مخرجاً يساعد الناس على القيام بشئون حياتهم ,دون كشف المستور و الركون إلى الحاجة و العوز .

فعندما رشح الرئيس أبو مازن نفسه للانتخابات الرئاسية بعد الراحل الخالدة ذكراه ياسر عرفات, كانت الشعارات التي لا زالت شاخصة على جدران الشوارع و الدور والميادين, تحمل وعوداً و بشائر من العيار الثقيل, التي لا تبقي للهم مطرحاً و لا للحزن موضعاً, فبتنا ننتظر فجر التاسع من يناير تعطشاً للإصلاحات التي ظننتها ستسير بسرعة أكبر بمسافات طويلة مما هي عليه الآن هذا إن كانت تسير أصلاً, و لكن الأيام التي تلت أثبتت عكس ما كان يُقال في تلك التي خلت , و صرنا نرى الواقع بإفرازاته يزداد مرارةً و شحوبا , بل إن كل من كانوا يعربدون و يرفضون التغيير باتجاه الإصلاحات باتوا اليوم بقدرة من تجلت قدرته جزءً من المنادين بالإصلاح و المحاسبة و المعاتبة , متجاهلين ما كانوا يصنعون و يقولون إلى وقت قريب لا يتعدى صيف العام المنصرم, و تلك مسألة فيها فتاوي لا تحتمل التأويل في عرف الحقيقة, فالآن الكل يلون نفسه حسب طريقته و يتجه نحو القبلة التي تستقر فيها كعبة مصلحته الخاصة , و الغريب العجيب أن المشوهين ينتقدون الفساد أكثر من دعاة الإصلاح أنفسهم و يسبونه سباً ترق له القلوب , حتى بات العاقل حيراناً لا يعرف الصالح من الطالح .

و تتجذر قضية يأس و غضب الشارع كلما طال وقت المحاسبة التي يطالب بها كل الإصلاحيين الأصليين بعيداً عن الإصلاحيين المهجنيين ممن يحق لنا أن نطلق عليهم العائدين بنفس الردة ,راكنين على ما تقطر به ألسنتهم من عسل مسموم أمام مسمع و مرأى من الرئيس .

كنت من أكثر المنتقدين و أشدهم حدة عندما أرى أي أحدٍ يقرر أن ينتخب الرئيس محمود عباس قبل وقت الاقتراع لسبب ترخيص الأسعار فقط, أو توفير بعض الخدمات و حل مشاكل الخريجين و غيرها كأسباب قائم كل منها بحد ذاتها تنفصل واحدة تلو الأخرى عن شخصية الرجل أي أبي مازن و نضالاته, و أذكر أنني قد اندفعت إلى نقاش طويل مع صديق لي أوشك أن يؤدي إلى مخاصمة بيننا , على قضية أسس انتخاب الرئيس و لماذا نختار أبي مازن دون غيره ؟ فكنت أرفض أن يتم اختزال شخصية الرجل في شعار مثل "محمود عباس يعني ترخيص أسعار السلع الغذائية" دون الأخذ بالاعتبارات الأخرى كمزايا عباس و قدرته على اللعب السياسي و أهليته للقيادة و تاريخه النضالي الخ ... لأن التصويت على حسب رأيي و وعيي المتواضع لا يمكن أن يتأسس على عامل واحد فقط , و ذلك لأن غياب هذا العامل كترخيص الأسعار أو تأخره يعني غياب عامل الولاء و إسقاط شرعية الولاية و القيادة , و لكن المفاجأة أن لا يتحقق ما وعد أبو مازن الناس به , فمؤشر الغلاء في ارتفاع و أعداد الخريجين في تزايد و مشاكل القطاعات الفاعلة كالمعلمين في تفاقم , و تدني مستوى الدخل في انخفاض ,و انعدام وسائط الرزق و الاسترزاق على حاله , و الاحتلال احتلال, والقانون في إجازة مفتوحة, و الفلتان الأمني يتأصل على شكل فكرة و ليس ظاهرة و خليها على الله .

إن الناس تتألم و تتظلم و تتكلم, و نحن الظالم و المظلوم, و فينا القاتل و المقتول, و كلنا الشعب و أنت المسئول, لأننا الرعية و أنت الوالي, فماذا أنت فاعل يا أبا مازن ؟ - (مفتاح 24 نيسان 2005) -