ليس خافياً، أن شارون يسعي لأن يظهر كرجل سلام، من خلال خطة الفصل الأحادي. ذلك علي الرغم من تحاشيه لأية مفاوضات سياسية، مع القيادة الفلسطينية. فهو يعرف بأن مثل هذه المفاوضات، ستضع مسألة الانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967 علي الطاولة، وهذا ما لا ولن يتجه اليه شخص من طراز شارون. بالتالي فإنه يخلق الذرائع، لكي لا يكون هو المسؤول عن تعطل العملية السلمية، كالقول بأن الرئيس محمود عباس ضعيف، وأن الشرط الأول والأخير، لاستئناف المفاوضات، هو تفكيك البُنية التحتية للإرهاب . وفي هذا السياق، يخشي أن يحدث التفكيك بأية طريقة، فيطالب سلفاً بشيء آخر، وهو تفكيك العقل الفلسطيني، من خلال اشتراط وقف ما يُسميه التحريض !
الانفصال الأحادي، هو الذي يراه شارون ملائماً لسياساته، لكي يرسم الحدود التي تناسب خططه الأمنية والديموغرافية، والتي يسعي الي فرضها كأمر واقع. ووفقاً لتصريحات شارون العلنية، فإن هذه الحدود تضم ما يسميه مناطق أمنية حيوية وتضم الكتل الاستيطانية الكبري والقدس الكبري . وهو يعني بالمناطق الأمنية الحيوية، كل وادي الأردن، وكل السفوح الشرقية للجبال الوسطي في الضفة، مثلما يعني بالقدس الكبري مستوطنة معاليه أدوميم وكل المساحات من حولها والتي بينها وبين البلدة القديمة، وكل الطرق الموصلة بين مستوطنات الكتل الكبري!
هذا المنحي الشاروني، ليس مجرد تصور للمستقبل. إنه أمر عملياتي راهن، بدأ تنفيذه سلفاً، من خلال عملية إنهاء بناء الجدار العنصري، ومن خلال الشروع في بناء مستوطنات جديدة، وطرق جديدة، سيما في المنطقة الواقعة بين الجدار والخط الأخضر!
ہ ہ ہ
والي حين أن يتبلور موقف دولي، يقطع بأن شارون هو وحده، قاطع الطريق علي التسوية، فإن لديه النية في إخراج ورقة أخري بعد حين، وهي إخلاء المستوطنات في المناطق التي لا تقع ضمن خارطة الضم. فمن خلال هذا الإعلان، يسعي لأن يجدد لنفسه، صفة رجل السلام الذي يعاني ويواجه الاعتراضات، حين يقوم بإخلاء مستوطنين. وسيكون الأمريكيون هم أول من يتعاطي مع هذا المفهوم الملفق، خصوصاً عندما تترافق هذه الخطوات الشارونية، مع تصريحات جوفاء وغامضة، حول نيته في تحقيق تسوية دائمة مع الفلسطينيين في المستقبل، بعد تفكيك الفصائل وبعد تكريس الحدود التي رسمها لإسرائيل!
ويأمل شارون أن يتوصل بعد نفض غبار عملية الانفصال الأحادي، الي اتفاق مع المستوطنين علي خطته النهائية. لكن فرصته في تحقيق ذلك ضئيلة، لأنه يفتقر الي الدافع السياسي والأيديولوجي، الذي يحسم مسألة الاستيطان في مواضع تقع في عمق الأراضي الفلسطينية، مثلما هو حال مستوطنات عوفرا و بيت إيل و يتشار و براخا و تابواخ . ذلك لأن ممانعة المستوطنين ومسانديهم، في إخلاء قوش قطيف إنما هي ـ أصلاً ـ بهدف التمسك بتلك المستوطنات، أي بهدف تطيير رسالة سريعة مسبقة، حول التمسك بمستوطنات وسط الضفة. بالتالي فإن شارون، بخلفيته السياسية والفكرية، وبانتمائه لحركة الاستيطان، لا يصلح للتسوية، وهو علي أية حال، لم يتصرف إلا كرجل معادٍ للتسوية، ولا يصلح لها، إذ لم يراع وجود شريك فلسطيني في أية مرحلة، أو عند تنفيذ خطته! السياق الشاروني، وإن كان قد أدرك استحالة استيعاب قطاع غزة؛ فإنه يسعي لأن يستوعب عملية التسوية برمتها. فما يهمه هو توسيع حدود إسرائيل، ولا يكترث بالعلاقات مع العالم العربي، ويدفع الأمور الي العودة الي المربع الأول: احتلال ومقاومة مديدة، وربما هو يدفع الأمور، الي انهيار السلطة الفلسطينية. ولعل هذا هو ما جعل إيهود أولمرت، حصان شارون في حلبة السباق ودرعه الواقي، الي القول، بأن أولويات حكومة شارون، بعد تنفيذ خطة الفصل الأحادي، تتركز في أمرين لا ثالث لهما: المصالحة الداخلية، وحل المشكلات الاجتماعية!
ہ ہ ہ
لسنا متفائلين، طالما أن شارون بقي في الحكم، وطالما أن الولايات المتحدة، لا تضغط علي أي نحو، فيما المطلوب أن تضغط بالشكل الذي يؤثر في مجاميع المتطرفين العنصريين، الذين يتصرفون بمنطق الاستباحة. ولعل واشنطن تعلم، بأن إطلاق العنان لسياسات شارون، من شأنه أن يطلق العنان لكل مفاعيل العنف في المنطقة وفي العالم، بينما نحن ننشد حريتنا وحقوقنا، لكي تستقر المنطقة ويستقر العالم. أما السياق الشاروني، فهو الذي يؤسس للحرب المديدة، ويفتح أبواباً لا علم بمواصيلها، للعنف الأعمي وللعنف البصير!