فيما تسير بنا الأيامُ نحو الحدث الأبرز, على الساحة الفلسطينية في الألفيةِ الثالثة, و لاسيما و أن الحديث يدور بمنطق المراهنات, على كيفية تعاطي الفلسطينيين مع الانسحاب الإسرائيلي, المزمع تنفيذه من مستوطنات قطاع غزة و شمال الضفة الغربية, بعد أسبوعٍ من الآن, تداعى صحفيو و إعلاميو خان يونس إلى اجتماع فيما بينهم, بتنسيقٍ كامل و تفهمٍ كبير, مع رئيس بلدية المدينة, و رئيس الاتحاد الفلسطيني للسلطات المحلية, د. أسامة الفرا, مساء أمس الأحد 7/آب, و ذلك لما تتمتع به مدينتنا خان يونس, من حساسية كبرى في هذا الملف, لأنها ستتخلص من؛؛11؛؛ مستوطنة من أصل ؛21؛؛ جاثمات على أراضينا المغتصبة, مما يعيد لخان يونس ما يزيد عن ؛؛15700؛؛ دونما, الأمر الذي جعلها قبلةً للصحافيين و الوكالات و الصحف و الفضائيات , الأجنبية منها و العربية و المحلية, و مراسليها الذين سارعوا إلى حجز أماكنهم ,في كل ما يصلح أن يكون مأوى في خان يونس .

كان اجتماعنا يتركز على كيفية التعاطي مع هؤلاء القادمين, و تقديم كل ما يحتاجون إليه من معلومات, و تذليل كل الصعوبات التي يُحتمل أن تواجههم, لاسيما بعد أن أدرك معظم صحفيي المدينة, انه لا مكان للمقامرة, في الاتكال كلياً على اللجنة الإعلامية, المنبثقة عن لجنة التنسيق للانسحاب, و ذلك لأن القائمين عليها في خان يونس لم يسعوا إلى ثلث الصحافيين, في حين تم تفريغ بعض خريجي الكليات غير ذات الصلة, للعمل ضمن الطواقم الإعلامية, دون أن نستطيع تفسير علاقة المهندسين الزراعيين و المعماريين في الصحافة, بمعنى أننا فشلنا في الربط بين البطاطا و حساب المثلثات بالإعلام ! مع معرفتنا أن دولة الاحتلال تحشد؛؛4000؛؛ صحفي لتغطية الحدث بعيون إسرائيلية !

كان ذلك يدور في خلدنا و نسعى لترجمته على الأرض قولا و عملا, دون أن يخطر على بال أحد منا, أن يوم الأحد سيشهد قلاقل في المدينة, على اثر استدعاء أو اعتقال مدير مكتب الأخ فاروق قدومي في خان يونس, على يد أحد الأجهزة الأمنية, لأسبابٍ يعلمها طرفا الموضوع أكثر منا, فكثر الكلام و تناثر, حتى بلغ الأمر بأتباع السيد قدومي, و نواه جيشه الشعبي, من تشكيل لواء الشهيد أحمد مفرج, في كتائب شهداء الأقصى, إلى معالجة الخطأ, كما يصفون الاعتقال, بخطيئة, فهاجوا و ماجوا, و أزبدوا و أرعدوا, حتى استقر بهم الرأي إلى مكافأة الناس على صبرهم, بإغلاق محلاتهم التجارية بالقوة, و قطع الطرق أمام السيارات, و احتلال فندق الهلال الأحمر الفلسطيني ! إلى أن قادتهم صفوة رأيهم, إلى التهجم على مبنى بلدية خان يونس, و اقتحامه بقوة السلاح, و بعثرة اجتماع الصحافيين مع رئيس البلدية, و أمين سر إقليم حركة فتح في محافظة خان يونس ! و ذلك بحشدٍ يتراوح عدده بين الثلاثين و الأربعين مسلح ! بل و زادوا على ما فعلوا, أن حاولوا الاعتداء على د. أسامة الفرا بغير أي وجه حق, تواكباً مع سوء تعاملهم مع أمين سر إقليم حركة فتح, مما دعا الصحافيين إلى التدخل بما تمليه علينا قيم الرجولة التي تربينا عليها, في ظل غياب المبادىء, فانهالوا علينا بالسباب و الشتائم النابية, التي يترفع اللسان عن توجيهها ضد عدوٍ قاتل, و ليس إلى صحافيين, كانوا يمثلون قناة الاتصال بين مكتب السيد قدومي في خان يونس و العالم, في تغطية كل أخباره الشارة منها و الواردة, بما فيها تداعيات حدث أمس, و عندما قلنا لهم معاذ الله مما تصفون, عمدوا إلى تصويب فوهات بنادقهم, إلى صدورنا, فقلنا ندخل الجنة بصبر ساعة, و إذ بحشوداتهم تأتي من حيث لا نحتسب, بينما تولى من اعتلى سطح المبنى إلى تفجير ما يسمى في الخصوصية المحلية "بالأكواع", و هي جمع "كوع", الذي هو اختراع يدوي ذو براءةٍ فلسطينية لا تنافسنا عليه روسيا ! يأتي على شكل أنبوبٍ حديديٍ قصيرٍ محشوٍ بالمواد المتفجرة, و له القدرة على إيذاء و قتل من يتواجدون في مساحة عشرة أمتار, مما أدى إلى إصابة زميلٍ لنا نتمنى من الله له السلامة, فيما تولى المسلحون الملثمون تطويق المكان, و حاصروا الصحافيين وسط ترهيب و شتم لمدة تجاوزت الـ؛؛45؛؛ دقيقة , و قام مسلحان ملثمان باستخدام بندقيتيهما ,في ضرب و دفع بعض الشباب العزل, الذين كان كاتب السطور احدهم, و تلك قضية فيها نظر؛؛؛ و لو بعد حين , و لكن عندما يرفع الملثم خماره, فيكون أمام من يستطيع أن يقابله رجلاً !

انقلبت الدنيا و لم تقعد, و نحن نواجه عبث الفوضى بكل إرادةٍ و اقتدار, فيما لم يتحرك أي جهاز أمني, لإيقاف هذه المهزلة, و فك حصار الصحافيين الذين حُشروا مع رئيس بلدية مدينة خان يونس, و أمين سر إقليمها, مع حارسٍ أمين للمكان في المبنى ! الذي هو على جوارٍ مع مقرات ثلاثةٍ من أجهزتنا الأمنية ! التي عكست حالةً من التقاعس و الخوف غير المبرر, الأمر الذي يوازي ضعف كل من يعتبرون أنفسهم من وجاهات المدينة, الذين اكتفوا بالاختباء أو المشاهدة, لنكتشف من جديد أحد الفروق المضافة, بين الذكورة و الرجولة. - (مفتاح 8 آب 2005) -