في الأيام القليلة الماضية، كانت هناك جلستان طويلتان، خلال 48 ساعة، بين فتح و حماس بتشكيل أو بتمثيل مقلّص، من شخصين، لكل من الحركتين. ونجح الإخوة الأربعة، في وضع أسس التوافق الذي نأمل بأن يقوم عليه النظام السياسي الراسخ. وكان خلوْ الجلسة، من عناصر ذات شكايات خاصة، أو ذات مشاعر نافرة، هو أحد الأسباب المهمة للنجاح. فقد حضر عن فتح سمير المشهراوي (أبو باسل) وأحمد حلّس (أبو ماهر) عن فتح بينما حضر إسماعيل هنية (أبو العبد) وسعيد صيام (أبو مصعب) عن حماس .
كانت الموضوعات التي تناولها الإخوة، باستفاضة، في الجلستين، تتوزع علي أربعة محاور هي: الانتخابات ومواعيدها، اللجنة الوطنية للرقابة والمتابعة بعد الانسحاب، تفاهمات القاهرة وأهمها موضوعا الأسري وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وحقوق المواطنة التي يتأسس عليها الحق المتساوي في شغل الوظائف العامة!
ہ ہ ہ
ظهرت بدايات نتائج التوافق الذي حدث في الجلستين، من خلال رد فعل حماس علي إعلان الرئيس أبو مازن، عن شهر كانون الثاني المقبل، موعداً للانتخابات. فقد نوقشت مسألة رد فعل حماس تجنباً للعودة الي السجالات حول هذا الموضوع، عبر وسائل الإعلام. وعند إبلاغ حماس بالموعد قبل إعلانه، ومع رغبتها في موعد أقرب، كان الاتفاق علي أن يكون لها الحق في التحفظ مع الاستعداد للمشاركة، لكي تتلاقي في منتصف الطريق، مع موقف فتح الذي له أسبابه، في ترحيل الموعد الي كانون الثاني المقبل. ويجدر التنويه، الي أن هناك من دعا داخل فتح الي تحديد فضفاض للموعد، كأن يُقال بأن الانتخابات ستجري في الربع الأول من العام المقبل، لكن أبا مازن حدد كانون الثاني، غير مكترث بوجهة النظر التي تقول، بأن الموعد كلما تأخر بعد إخلاء غزة، سيكون وضع فتح في الانتخابات أفضل. وقد علق هؤلاء علي تحديد الموعد، بأن أبو مازن حشر نفسه وحشرنا، بالموعد، وهذه نقطة ينبغي أن تعلمها حماس وفي هذا السياق، اتفقت الحركتان علي تعزيز ضمانات الشفافية والسلاسة، أثناء كل العمليات الانتخابية، لتحاشي تكرار المشكلات التي حدثت في الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية والقروية في قطاع غزة. وبخصوص هذه الانتخابات، تم الاتفاق علي الانتهاء من المرحلتين الثالثة والرابعة، قبل نهاية العام الجاري.
وبالنسبة لموضوع اللجنة الوطنية للمراقبة والمتابعة، فقد تم الاتفاق علي تجنب المشكل السياسي في الموضوع، كأن تبدو هذه اللجنة، بمثابة كيانية بديلة، أو لجنة للإدارة، وهو الحكم الضمني علي السلطة، بأنها غير ذات صلة كاملة. بالتالي ستكون هذه اللجنة، منبثقة عن لجنة القوي الوطنية والإسلامية، وسيكون لها أربع مهام: 1 ـ التشاور والتنسيق، لضمان إطلاع القوي الوطنية والإسلامية، علي مجريات الأمور علي مستوي ملف الإخلاء 2 ـ فتح المجال لمشاركة فنيين وخبراء، بتنسيب من الفصائل الوطنية والإسلامية 3 ـ مشاركة اللجنة في وضع الضوابط علي حُسن سير الإدارة، وحُسن التصرف في ملف الانسحاب 4 ـ تأكد اللجنة من سلامة التنفيذ باعتبارها هيئة رقابية وطنية إسلامية.
أما محور تفاهمات القاهرة، فقد اقتصر الحديث فيه علي موضوعين، وهما الأسري وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية. ففي الأول، وُضعت الصيغة السياسية، التي تؤكد علي أن الإفراج عن الأسري، هو جزء من اتفاق التهدئة، وأن هذا التأكيد سيكون قاعدة العمل السياسي، الذي يحث السلطة علي ممارسة الضغوط، عبر اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي، للإفراج عن الأسري. أما موضوع تفعيل المنظمة، فقد توافقت الحركتان، علي ضرورة تكريس جدية التفعيل والإسراع فيه، لإعادة بناء المنظمة علي أسس إئتلافية صحيحة، تضمن تمثيلاً أوسع في منظمة التحرير للقوي الحية في المجتمع الفلسطيني، في الوطن وفي الشتات.
وكان للمحور الرابع، الذي أخذ عنوان حقوق الموطنة، حيّزاً معتبراً من النقاش. فحركة حماس تطلب ـ وهذا من حقها ـ أن تكون الوظائف علي أساس مبدأ تكافؤ الفرص، وأن لا يكون هناك استبعاد، لمنتسبي الحركة الإسلامية من العمل في الجهاز الحكومي، في القطاعين المدني والعسكري. وحركة فتح تحدثت عن الحقوق والواجبات، لكي لا يكون التحاق منتسبي الحركة الاسلامية بالجهاز الحكومي بقصد خدمة أجندات فصائلية. فأمانة العمل العام، مبدأ أساس، والإقلاع عن منطق التخوين، وعن منطق العداء، ضروري وجوهري. وكان التوافق علي أن شغل الوظائف العامة، في الجهاز الحكومي، هو حق لكل فلسطيني يتمتع بالكفاءة المهنية، طالما توفر الشاغر، بصرف النظر عن انتمائه التنظيمي، علي أن يحدث هذا في مناخ صحي، لا في مناخ ملبد، يقود الحاصلين علي الوظائف، الي خدمة أجندات فصائلية، ويعصف بأمانة العمل المفترضة، فيمن يعمل لخدمة المجتمع!
ہ ہ ہ
كانت هناك مبادئ مهمة، ظللت اللقاء وجعلت الحركتين أقرب الي التوافق علي صيغة العمل الوطني والاسلامي. من بينها أن أبناء الشعب الفلسطيني، ليسوا قرابين لخدمة أجندات صغري، وما انتماؤهم الي الفصائل، إلا وسيلة لخدمة شعبهم، وخدمة القضية الفلسطينية، وخدمة الوئام المدني، وتعميق المحبة وتصليب خيوط النسيج الاجتماعي، لكي يكون في وسعهم أن يتحدثوا بفخر، أمام أهلهم، وفي محيطهم، عن انتمائهم الذي لا يكون مبعث فخر وسعادة، إن كان يدفعهم الي الكراهية والاحتراب، في إطار الأسرة الواحدة. فالبرامج والاجتهادات تتقابل وتتنافس بشرف، وهذا لا يعني أنها تتحارب أو تتباغض، أو أن تكون سبباً في تفسخ النسيج الاجتماعي!
كلمة أخيرة، يُمليها واجب التنويه الي جهود الأخ اللواء البحيري والوفد المصري المقيم، في انعقاد جلستين مطولتين ناجحتين، بين ممثلي الحركتين. فقد اقترح اللواء البحيري الأسماء، وأسهم في اقتراح عناوين المحاور، الأمر الذي اقتضي التعبير عن امتنان الحركتين لدور الأشقاء المصريين!