اجتماع الحكومة الفلسطينية برئاسة الأخ أبو علاء في أبو ديس أقرب نقطة ممكنة إلى القدس, وفي مبنى جامعة القدس نفسها, هو التفاتة هامة جداً مؤداها أن العنوان هو القدس, وأن الأولوية الأولى دائماً ستبقى القدس بصفتها عاصمتنا الأزلية, وبصفتها رمز ميراثنا الحضاري, وبصفتها عنوان معركتنا السياسية الطاحنة, التي لا مفر من خوضها بكل ما أوتينا من وسائل ضدّ المخططات الإسرائيلية التي أصبحت مفضوحة ومكشوفة, والتي تستهدف حصار القدس, وتهويدها بالكامل, وإزالتها كأمر واقع من جدول أعمال المفاوضات التي يسعى الجميع لاستئنافها بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
والإجراءات الإسرائيلية الأخيرةالمتعلقة بحركة الجدار وعملية عزل القدس وإخراج عشرات الآلاف من الفلسطينيين خارج نطاقها التاريخي والجغرافي والحيوي !!! هذه الإجراءات تضمنت الاستيلاء على مساحات من الأراضي في أبو ديس نفسها وفي المنطقة المقامة فيها جامعة القدس!!! وهكذا فإن اجتماع مجلس الوزراء الفلسطيني في موقع المشكلة يجيء كتأكيد أمام الإسرائيليين والعالم أجمع أن الفلسطينيين وسلطتهم الوطنية الفلسطينية ليس أمامهم من خيار آخر سوى خوض معركة القدس, وأن القدس إذا لم تكن بوابة للسلام فإنها ستكون بوابة للحرب بأشكالها المتعددة !!!
وطرح موضوع القدس على هذا النحو معناه أن العالم, وخاصة الدول المعنية, وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تتحرك بشكل جدي وأن تكسر الإيقاع الذي تريده إسرائيل, حيث شدّت الانتباه العالمي إلى قطاع غزة بانسحابها منه, وتركت الضفة الغربية بصفة عامة, والقدس على وجه الخوص ترزح تحت ضغط الإجراءات الإسرائيلية الخطيرة والمتسارعة والتي تسابق الزمن, وتركت الضفة الغربية والقدس على وجه الخصوص ترزح تحت وطأة الانتظار, وهو انتظار سلبي جداً, تستغله إسرائيل لتفرض وقائعها المدمّرة.
والحقيقة التي يعرفها الجميع أن إسرائيل لم تضيع لحظة واحدة من الزمن إلا واستغلتها في محاولات حصار القدس وابتلاعها النهائي, سواء الحصار من داخلها عبر صفقات سيء الذكر إيرينيوس الأول البطريرك الأرثوذوكسي المخلوع, أو عبر تشديد القبضة تحت يافطات قانونية, موجهة ضدّ مواطني القدس الفلسطينيين, أو عبر حصارها بالجدار وعزلها وسرقة الأرض المحيطة بها, واليوم تعتبر إسرائيل نفسها في الجزء الأخير من الخطة الذي يقضي بإحاطتها بمليون مستوطن يهودي, لكي يشكل هذا الحزام البشري اليهودي حصارها الشامل.
وبطبيعة الحال فإن المطلوب من المجتمع الدولي وعلى رأسه الدول الأكثر نفوذاً وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية أن تحول مواقفها المعروفة ضدّ عدم شرعية وبطلان الإجراءات الإسرائيلية إلى أفعال, إلى ضغوط ملموسة, إلى إجراءات عملية, وإلاّ, فإن خارطة الطريق تصبح ورقة فارغة بلا معنى, والمفاوضات تصبح لعبة سخيفة بلا موضوع, والسلام كله يصبح كوميديا سوداء لا يصدقها أحد !!!
إن قرارات مجلس الأمن منذ العام 1967م أبطلت شرعية أية إجراءات إسرائيلية بخصوص القدس, وإن مواقف الدول المؤثرة جميعها رفضت الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب في القدس, والآن جاء وقت الاختبار الحاسم لهذه القرارات والمواقف, ذلك أن البديل عن موقف دولي فاعل هو انفجار الدماء من جديد في منطقة تشكو أصلاً من طوفان الدماء فيها, منطقة تشكو مرّ الشكوى من الانحياز الأمريكي لإسرائيل, فما بالكم حين تستمر الشكوى من الانحياز إلى موضوع بالغ الخطورة والحساسية وهو موضوع القدس !!!
فشكراً للأخ رئيس الوزراء وحكومته على عقد هذا الاجتماع في أبو ديس أقرب النقاط الممكنة إلى قلب القدس, ونرجو أن تصل الرسالة الموجهة من قبل هذا الاجتماع إلى كل من يعنيهم الأمر, أما بالنسبة لنا فلسطينيا فليس أمامنا سوى خيار واحد وحيد وهو ان نخوض معركة القدس مهما كانت الظروف .
الحقائق (29/8/2005).