يفصلنا عن موعد الانتخابات التشريعية شهر واحد، وهو فترة اكثر من كافية، لكي تقوم النواة الصلبة في حركة فتح، او المجموعة الابعد نظرا فيها، بسرعة التحرك لحل مشاكل الحركة الداخلية لمواجهة استحقاق الانتخابات وما سيترتب عليها.
حتى اللحظة يعلو الصراخ الداخلي في الحركة بضرورة تأجيل الانتخابات، ويطالعنا الطيب عبد الرحيم بأن الانتخابات التشريعية هي تكريس للاحتلال بدلاً من ان تكون وسيلة لجلائه، وكأن انتخابات 1996 كانت في فلسطين الحرة المستقلة، وانتخابات 2006 ستكون في فلسطين المحتلة، ويظهر علينا غيره من الحركة أيضا، في بيت لحم، ورفح، وقلقيلية معلنين بأنهم لن يشاركوا في الانتخابات تارة لأن مناطقهم لم يجر انصافها بالترتيب المناسب عند تشكيل قائمة "فتح" للوطن، وتارة لأن مرشحي "فتح" في الدوائر تم اختيارهم بمعزل عن أبناء "فتح" فيها ، وكتائب الاقصى بتشكيلاتها المختلفة تهدد بالمقاطعة، ويهدد بعضها بالانشقاق ما لم تحل مشاكلها.
في الانتخابات المحلية الاخيرة كانت هنالك مقاطعة ملموسة لابناء "فتح" في رام الله والبيره على الاقل، ولا علم لي إن كانت هذه المقاطعة قد تمت في نابلس وجنين أيضا، وادت الى فوز "حماس" الساحق. الفارق بين "حماس" و"فتح" يكمن فقط في نسبة انضباط افراد كلا الحركتين.. "حماس" مسكونة بالانضباط والطاعة بحيث يمكنها عد أصواتها قبل الانتخابات، و"فتح" مسكونة بمجموعة من القيادات التي ترفض الاحتكام الى معايير واضحة وآليات ديمقراطية لاتخاذ القرار تسمح بحد أدنى من الانضباط، وبالتالي فإن عدد الاصوات التي يمكن ان تحصدها في الانتخابات يعتمد الى حد كبير على توافق قياداتها في اللحظة التاريخية التي تستدعي ذلك ، وعلى طبيعة الاشخاص الذين تقدمهم لجمهور الناخبين.
"حماس" لن تحصد أعلى من نسبة الاصوات الحقيقية لها، بحسب بعض استطلاعات الرأي قد يصل ذلك في حدة الاعلى الى ثلاثين بالمائة، وهذه النسبة بإمكانها أن ترتفع فقط اذا استمرت "فتح" في العمل ضد نفسها، لكنها نسبة ثابتة لا يمكن خفضها قبل شهر واحد من الانتخابات. ولا أعتقد بأن الممكن خفضها بعد سنة أو سنتين اذا استمرت "فتح" بالعمل ضد نفسها، وضد جمهورها. على مستوى الوطن ستحصل "حماس" على نسبتها الحقيقية، لكن اكثر ما يخشى منه أن تحصل "حماس" في الدوائر على نسبة أعلى بكثير من حجمها الحقيقي بسبب الكم الهائل من المرشحين من ابناء "فتح" تحت اسم مستقلين.. تشتيت الاصوات سيعطي "حماس" فرصة لتحقيق انتصار كبير في الدوائر قد لا يعبر بالمطلق عن منسوب القوى على ارض الواقع.
وحيث أن اللعبة، ديمقراطية من اولها لاخرها، وحيث أن أزمة فتح الداخلية لم تكن بسبب "حماس"، وحيث أن الشعب الفلسطيني يرفض بقاء النظام السياسي الفلسطيني ضعيفاً، وفاقداً للمبادرة، وجريئاً فقط في فرض القانون على الضعفاء من شعبنا، وحيث أن الانتخابات التشريعية هي ضرورة لتقوية النظام السياسي الفلسطيني، لذلك لا مجال لتأجيلها، او التراجع عنها. "فتح" عليها ان تشكل غرفة عمليات من نخبتها، ومن كلا المعسكرين فيها، ومن هذه الغرفة يجب ان يجري عمل منظم لانجاز مهام واضحة، منها دعوة أبناء "فتح" بشكل عام للانتخاب والتصويت لاي من قائمتي "فتح" بحسب رغبتهما، وعدم التعامل مع ما جرى على انه انقسام في الحركة بل اختلاف سببه عقد الانتخابات التشريعية قبل ان تقوم "فتح" بعقد مؤتمرها. ومنها أيضا أن تقوم هذه النخبة بالتوجه الى جميع الدوائر الانتخابية على عجل لاقناع العشرات من أعضاء "فتح" ممن سجلوا انفسهم كمستقلين بالانسحاب من السباق.. إن أخطر ما يواجه "فتح" ليس وجود قائمتين لها، فبحساب الربح والخسارة ستكون الخسارة محدودة ويمكن التعامل معها لأن حصة "فتح" على مستوى الوطن سيجري تقسيمها بين معسكرين لـ"فتح" في نهاية المطاف.. لكن الكارثة الحقيقية يمكن أن تحدث في الدوائر، حيث سيؤدي العدد الكبير من المرشحين من أبناء "فتح المستقلين" الى تشتيت الاصوات بينهم وتركيزها لدى منافسيهم، وبالتالي فإن فرصهم بالنجاح في الدوائر ستكون ضعيفة جدا، أضف الى ذلك ان "فتح" قد خسرت المنافسة على أربعة مقاعد في الدوائر بعد انتقالهم لقائمة المستقبل، اثنين في رام الله، وواحد في خان يونس، والآخر في دير البلح، ويمكن هنا ملء هذه المقاعد من اعضاء "فتح المستقلين" ويجب اعلان هذه الاسماء ببيان رسمي من الحركة، اذ لا يعقل أن تستسلم "فتح" لحقيقة أنها في الدوائر تنافس على 62 مقعداً بدلاً من 66 ، خصوصا وأن مقاعد رام الله الخمسة يمكن المنافسة عليها بقوة، فلماذا الاكتفاء بالتنافس على ثلاثة مقاعد .
إن التعامل الايجابي على مستوى الدوائر مع هذا الكم من المرشحين من ابناء "فتح" باخراجهم من السباق هو ضرورة، بدونها ستخسر "فتح" قدرتها على المنافسة في الدوائر، وستحصل "حماس" على نسبة لا تعبر بالضرورة عن حجمها الحقيقي، ويجب عدم الوقوع في المحظور بالتعامل مع هؤلاء "المستقلين" بالطريقة التي جرى فيها التعامل معهم العام 1996، في تلك الفترة نافست "فتح" نفسها، وبالتالي كان الخاسر والناجح من أبناء "فتح"، أما في انتخابات 2006 ، فالخاسر سيكون من نصيب طرف سياسي والرابح من نصيب طرف آخر.
كذلك على هذه النخبة من اعضاء "فتح" أن تبدأ باستنهاض كادرها على مستوى الوطن، وذلك بعد تجربة الانتخابات التمهيدية وما أفرزته من حالة احباط، سواء بسبب الحديث عن التزوير، أو بسبب الاقرار بها وعدم الاعتراف بنتائجها، وقد يكون مهماً هنا أن يأخذ الرئيس، وهو رئيس "فتح" أو قائدها بحسب مسميات التنظيم، زمام المبادرة وان يتوجهة للدوائر، ويجتمع بكوادر "فتح" فيها، ويحثهم مباشرة على تجاوز أية خلافات.
هنالك الكثير مما يمكن القيام به خلال شهر لضمان نتائج معقولة لحركة فتح في انتخابات كانون الثاني، لكن لعل أهم ما يجب البدء به هو عدم إضاعة الوقت بالحديث عن تأجيل الانتخابات من قبل قيادات ترغب بالحفاظ على الوضع الحالي دون تغيير. (الأيام 22 كانون اول 2005) -