مع بدء العد التنازلي لاندحار الاحتلال عن القطاع، فإن صورة المشهد الغزي ما زالت قاتمة، وجاءت أحداث الأسابيع الأخيرة لتزيد المشهد سوداوية...

لا أحد ينكر أن اندحار الاحتلال من القطاع لم يأتِ كمنحة، أو هبة إسرائيلية للفلسطينيين، وإنما دفع الشعب الفلسطيني ضريبة الدم، على مدار سنوات الانتفاضة الثانية.

ومع التهديد الاسرائيلي المتواصل باجتياح القطاع، بطريقة أو بأخرى، فإن شارون يسعى لأن يترك وراءه أرضاً محروقة، ومنطقة مدمَّرَة، وشعباً يائساً..

وقد جاءت محاولة جرّ الشعب الفلسطيني في القطاع، للاقتتال والتناحر، كعرض ظلامي في المشهد الأخير، قبل الانسحاب الاسرائيلي، بهدف جعل غزة نموذجاً لا يمكن لأحد أن يتمناه، أو يرغب أن يكون على شاكلته مستقبلاً.

ومع توقيع اتفاقيات أوسلو، كان أحد التبريرات بأن القطاع سيكون سنغافورة الشرق الأوسط، ولكن ما حصل خلال السنوات العشر الأخيرة جاء على عكس ذلك.

وتأكدنا بأن تلك التصريحات كانت مجرد مواد مسكّنة لمرض زرعناه في جسدنا، الذي كان يتمتع بصحة نضالية واقتصادية واجتماعية وثقافية جيدة.

خلال العقد الماضي، وضع الاحتلال كل إمكانياته لتحويل غزة الى صومال جديدة، فعاثت آلة الدمار الاسرائيلية في جسد القطاع، ولم تترك منه جزءاً إلاّ وأصابته في مقتل، ولا منشأة اقتصادية إلاّ وقصفتها، ولا بيوتاً في مناطق التماس إلاّ ودمرتها، وحتى بيارات غزة، معظمها اختفى عن الوجود..

والسؤال الذي يحيّر الجميع.. كيف سيكون مستقبل القطاع بعد الانسحاب؟!

حقيقة لا نجد جواباً شافياً، حتى ولا نصف إجابة. والسبب في ذلك عدم وجود تخطيط استراتيجي قائم على دراسات علمية أو آراء خبراء في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. لا أحد قادر على حصر الموارد بكافة أشكالها، على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، وكيفية استثمارها.. ولا أحد قادر على تحليل الاتجاهات السياسية والعلاقات الداخلية بين القبائل والفئات والتنظيمات كثيرة العدد، وكل ما نشاهده في الأسابيع الأخيرة هو اجتماعات متتالية لممثلي التنظيمات والفصائل الوطنية والاسلامية. - (الأيام 30 تموز 2005) -