اريئيل شارون يجد صعوبة في تصديق ما يحدث له. الأسرة الدولية التي اعتبرته عربيدا رهيبا ومفتعلا للحروب تقوم بملاطفته ومعانقته الآن وتغطيه حتى لا يبرد، المهم ان يبقى في كرسيه وان يخلي المستوطنين من غزة والسامرة. بعد اسبوعين ونصف سيكون شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي الثاني الذي يحل ضيفا على مزرعة رئيس امريكي من تكساس بعد ليفي اشكول الذي فتح هذا الطريق مع لندون جونسون قبل ستين عاما. بعد لقاء شارون مع بوش سيستضيف بوتين في القدس، الذي سيأتي لزيارة تاريخية هي الاولى من نوعها منذ قيام الدولة.
القدس تغرق الآن بأمواج السياسيين والمشرعين من البلاد الواقعة خلف البحار. هذا يحدث في الوقت الذي تتصارع فيه الساحة الداخلية حول فك الارتباط. في العالم أصبحت هذه الخطة حقيقة راسخة. لذلك يكثر شارون من الحديث عن "اليوم التالي للانسحاب". هو يدرك التوقعات الدولية في ان تكون غش قطيف بداية الطريق للانسحاب الأساسي من الضفة. "الدولة الفلسطينية ذات التواصل الاقليمي" هي اليوم حقيقة لا يمكن التشكيك فيها تقريبا. ولشارون مسألتين مقلقتين: ماذا سيكون طابع هذه الدولة وأين ستمر حدودها. هو يخشى ان يتملص الفلسطينيون من تفكيك البنى التحتية للارهاب. في كل محادثة مع ضيوفه من الخارج يحذر من هذه الاحتمالية. حماس خرجت منتصرة من محادثات القاهرة، حسب قوله، بسبب موافقة محمود عباس على دمج المنظمات الارهابية في الجهاز السياسي الفلسطيني من دون المس بقدراتها العسكرية. "هذه صيغة أكيدة للمشاكل في المستقبل"، حذر شارون.
شارون يصر على وصف الوضع الحالي بمرحلة "ما قبل خريطة الطريق" ويقول انهم لن يجروه الى تنفيذ "الخريطة" التي تقود الى الدولة الفلسطينية طالما امتنع الفلسطينيون عن تفكيك البنى التحتية للارهاب. وليست لديه أوهام بصدد محمود عباس ايضا. "أبو مازن هو عربي ايضا"، يقول شارون لمساعديه. العناق الذي ميز علاقاتهما في عهد عرفات اختفى الآن. الاثنان لن يلتقيا قبل سفرهما على انفراد الى امريكا في الشهر القادم. شارون يعتمد على بوش في رفض مطلب عباس بالتقدم نحو التسوية الدائمة والتعريج عن المراحل الانتقالية حسب خريطة الطريق. "أنا أعرف ان هذا هو موقف بوش"، قال لمبعوثي الادارة الامريكية أمس، أليوت ابرامز وديفيد ووالش.
بناء
شارون يعرف ان لحظة الحقيقة لتحديد الحدود تقترب ويحاول في سياق ذلك فرض الحقائق التي تعزز الكتل الاستيطانية والقدس. اسرائيل تبني بصورة جنونية في المناطق الواقعة بين الخط الاخضر والجدار الفاصل ("الكتل الاستيطانية") في ظل غض الولايات المتحدة لبصرها. المسؤولون الاسرائيليون الكبار راضون من الترجمة العملية لـ "رسالة بوش" في نيسان 2004 التي اعترفت بـ "التجمعات السكانية الاسرائيلية" في المناطق.
في هذا الاسبوع نشر ان وزير الدفاع شاؤول موفاز قد صادق على خطة E1 لبناء 3500 وحدة سكنية المساحة الحساسة بين معاليه ادوميم والقدس. الفلسطينيون يرون بذلك تحطيما لتواصلهم الاقليمي وحصارا لشرقي القدس من خلال البناء الاسرائيلي. المبعوثون الامريكيون سألوا وحصلوا على توضيحات، وحتى أنهم عبروا عن تحفظات معينة، إلا ان أحدا لا يلمس وجود مساعٍ امريكية لايقاف المشروع. في الجانب الاسرائيلي يقولون ان البناء في هذه المنطقة حيوي لوجود كتلة معاليه ادوميم المستقبلي، وفي واشنطن ايضا يدركون ذلك. المهم هو ان يتم ذلك بهدوء.
وماذا عن التواصل الاقليمي الفلسطيني؟ سأل الشيوخ الامريكيون شارون. "سنبني شبكة طرق ونحرص على وجود تواصل"، رد عليهم. "ولكن من المبكر البحث في ذلك الآن".
كيف ستبدو الحدود المستقبلية؟ خلال اللقاء الذي عقده شارون مع اعضاء الكونغرس من كاليفورنيا كرر خطته القديمة بالاحتفاظ "بمناطق أمنية" اسرائيلية في غور الاردن وغربي السامرة. الجدار يهدف الى منع الارهاب ولن يكون حدودا فاصلة. قال لهم. "هناك مستوطنات بادرت الى بنائها غربي السامرة وعلى المرتفعات المطلة على ساحل البحر ومنطقة المطار مثل مستوطنة نيلي ونعله وبيت آريه. لهذه المستوطنات أهمية استراتيجية في السيطرة على منطقة الساحل ومصادر المياه. في كل مفاوضات مستقبلية ستكون الحدود متطابقة مع تلك المرتفعات والنقاط الاستراتيجية التي تمكن اسرائيل من التواجد ضمن حدود قابلة للحماية. هذه أمور سنطالب بها ونصر عليها".
غور الاردن هام حسب شارون "كرد على التهديدات المستقبلية. صحيح ان العراق لم يعد تهديدا اليوم، ولكن أحدا لا يعرف ماذا سيحدث هناك. ايران تستطيع ان تصل حتى حدودنا اذا أصبح العراق خاضعا للسيطرة الاسلامية".
شارون يعرف ايضا الاعتبارات الديمغرافية في تحديد الحدود. رئيس "الشباك"، آفي ديختر، اقترح تحريك مسار الجدار في القدس نحو الغرب حتى يتم اخراج 200 ألف فلسطيني منه. الناس الذين يعرفون كيف يفكر شارون يقولون انه لم يستبعد الفكرة. وان جبل الهيكل أهم له بكثير من الأحياء العربية النائية التي تم ضمها للقدس بحركة يد في عام 1967. ولكنهم يذكرون ان كل حديث عن القدس في ظل الوضع السياسي الحالي هو صيغة أكيدة للانهيار.
التفكير بتقديم تنازلات في الضفة صعب بالنسبة لشارون الذي يسأل مساعديه بين حين وآخر: "هل تتخيلون ان لا يعيش اليهود في أية مستوطنة كانت؟". المساعدون يردون عليه بالايجاب. الخط الذي يتبعه شارون يترك بيد اسرائيل نصف الضفة. هذا يفوق بكثير توقعات الفلسطينيين والأسرة الدولية واليسار الاسرائيلي الذين يتوقعون ان تبدأ المفاوضات من مسار الجدار (الذي يضم 6 - 8 في المائة من الضفة). كما ان الاحتفاظ بـ "المناطق الأمنية" حسب شارون يوجب اخلاء مستوطنات ظهر الجبل، العمود الرئيس للمشروع الاستيطاني في المناطق. ايتمار ويتسهار وعيلي وشيلو وبيت ايل وعوفرا وبسغوت. والى جانب هذه الفكرة سيبدو الانسحاب من غزة مثل رحلة لطيفة في متنزه. - (هأرتس 25 آذار 2005) -