ربما يكون الجنرال شاؤول موفازوزير الحرب الاسرائيلي قد كثف لنا في تصريحاته الاخيرة لصحيفة" يديعوت احرونوت "جوهر السياسات الاستراتيجية الصهيونية /الاسرائيلية منذ نشاة الحركة الصهيونية مرورا ب"الدولة العبرية "وصولا الى المشهد الراهن تجاه الشعب العربي الفلسطيني والقضية والحقوق الفلسطينية ومسقبل العلاقات بين الطرفين بعبارات صريحة واضحة قاطعة من شانها ان تمسح كل الاوساخ المتراكمة على عدسات اولئك الذين ما زالوا على قناعة ب "ثقافة السلام والتطبيع مع المشروع الصهيوني" اذا ما رغبوا في قراءة الحقائق كما هي ...؟ .
فقد اعلن موفازقائلا: "لا اعتقد اننا من الممكن ان نتوصل مع القيادة الفلسطينية الحالية الى اتفاق سلام ...وسنضطر لانتظار الجيل القادم من الفلسطينيين ،واكثر ما يمكن ان ننتظره حاليا هوربما تسوية انتقالية واحدة" ،وعن الدولة الفلسطينية والتسوية الدائمة قطع موفاز مؤكدا :"انا لاارى ان ذلك قد يحدث في السنوات القادمة ..ويجب ان نعترف ان الشريك الفلسطيني الحالي لا يزودنا بالبضاعة المطلوبة ".
تحملنا هذه التصريحات /المواقف الادبيات السياسية الموفازية الى البدايات والجذور السياسية والاستراتيجية الصهيونية /الاسرائيلية ازاء ملف الصراع والعلاقات مع العرب ..لنفتح ملف وطبيعة السلام الذي يبحثون عنه في فلسطين والمنطقة .
ففي مطلع العشرينات من القرن الماضي كان جابوتنسكي - الاب الروحي لزعماء الليكود واليمين الصهيوني - قد خلص الى استنتاج استراتيجي فيما يتعلق بالعلاقة مع عرب فلسطين جاء فيه رافضا فيه" اي امكانية للتوصل الى اتفاق سلام مع عرب فلسطين دون بناء الجدار" مؤكدا: الطريق الوحيد الذي يقود الى التعايش بين العرب واليهود في فلسطين هو من خلال بناء جدار لا يمكن اختراقه".
وبذلك يكون جابوتنسكي قد رفض "اي اتفاقية بين العرب واليهود قبل ان تجهز الصهيونية على فلسطين وقبل ان يتم اقامة الجدار الحديدي".
وعلى النهج ذاته كان بن غوريون مؤسس الدولة العبرية قد نظر حول المسألة نفسها في رسالة بعث بها في 9/6/1936 الى المجلس التنفيذي للوكالة اليهودية حيث اصر على :
"ان السلام مع العرب هو مجرد وسيلة للوصول الى الهدف.. وحاجتنا الى اتفاقية ليست من اجل اقامة سلام في هذا البلد.. فالسلام بالنسبة لنا هو وسيلة فقط. والغاية هي التحقيق الكامل والتام للصهيونية.. ولهذا السبب فقط نحتاج الى اتفاقية".
وقد اصر بن غوريون على رأيه بأن "اي اتفاقية مع العرب بشأن الهدف النهائي للصهيونية هو امر يمكن تصوره لكن على المدى الطويل"، موضحا : "ان الاتفاقية الشاملة غير مقبولة الآن.. لانه فقط بعد اليأس الكامل من قبل العرب، يأس يأتي ليس فقط كنتيجة لفشل اعمال العنف ومحاولات التمرد - من قبل العرب - بل ايضا كنتيجة لتنامي وجودنا في البلاد يمكن للعرب ان يذعنوا في ارض اسرائيل اليهودية".
واضح التشابه هنا بين استنتاج بين غوريون واستنتاج جابوتنسكي.. والاول الاب الروحي للحركة العمالية والثاني لليكود واليمين المتشدد..
- فما الفرق يا ترى من حيث الجوهر والعمق الاستراتيجي بينهما في ذلك الوقت وبين "زعماء اسرائيل" في العقد الاخير مثلا..؟! وما الفرق ايضا ما بينهما وبين تصريحات وادبيات الجنرال موفاز الاخيرة..؟
- وهل تغير نهج الصهيونية ازاء العرب والتسوية الدائمة معهم..؟!
- ام ان ما يجري اليوم هو ذروة التجسيد لنظريات وتنظيرات بن غوريون وجابوتنسكي؟
كان اسحق شامير في عهده يرفض رفضا قاطعا اي مؤتمر للسلام.. واية تسوية دائمة مع العرب، واقواله حول مدريد تدوي حتى اليوم، حيث اعلن انه "سيجعل المفاوضات تستمر عشر سنوات دون نتيجة" ،ولكن الجنرالات الذين اتوا بعده مددوا المدة الزمنية الى خمسة عشر سنة …ثم ياتي الجنرال موفاز ليمددها لنسنوات قادمة لا حصر له الى ان ياتي جيل فلسطيني جديد يقبل بالسلام الذي يبحثون عنه….
لم يكن شامير يؤمن بغير القوة والارهاب..
واسحق رابين لم يختلف عنه في الجوهر اذ نظر كثيرا لسياسة الساقين:
الساق العسكرية - اي استخدام السلام والقوة والبطش ضد الفلسطينيين، وقد اشتهر آنذاك بأنه وزير قمع الانتفاضة ..والساق السياسية - اي التفاوض والتفاوض حتى يرضخ العرب للشروط والاملاءات الاسرائيلية نتيجة لاستخدام الساق العسكرية.
وكان شمعون بيريز سفاح قانا توام رابين في النهج.
اما الجنرال باراك رئيس اركان الجيش في عهد رابين، وزعيم العمل ورئيس الوزراء الاسرائيلي ابان مفاوضات كامب ديفيد -2- فكان ربما خير وافضل من صاغ سياسة القوة الاسرائيلية حينما اعلن اكثر من مرة: »"ن انتصار الصهيونية لن يكتمل الا بالسلام مع جميع جيراننا" اما السلام الذي اراده باراك فيستند حسب اعتقاده وكما اوضح الى :"ان اسرائيل اقوى دولة في محيط 1500 كيلومتر.. والى "ان اسرائيل دولة قوية جدا.. وعندما اتحدث عن القوة لا اقصد فقط الجيش الاسرائيلي، وانما القوة الشاملة بدءا من معهد وايزمن وفرقة بات شيبع والفرقة الفيرهمونية ..ووصولا الى المفاعل النووي في ديمونة".
كان المحلل الاسرائيلي "الوف بن" قد اطلق على السلام الذي يريده باراك اسم "السلام المسلح"...ثم واصل نتنياهو نهج باراك.. ثم جاء شارون –البلدوزر- ليواصل السياسة ذاتها.
فهو بلدوزر الاستيطان والمستوطنات.. وبلدوزر الاجتياحات والاغتيالات والمجازر الدموية الجماعية والفردية على حد سواء.. وبلدوزر التجريف والتدمير والاقتلاع.. وهو بلدوزر بناء جدار الضم والتهديد.. وهو بلدوزر "فك الارتباط" و "التسوية المؤقتة طويلة الامد" - التي قد يصل امدها الى 15-20 سنة قبل ان يتم حل القضايا الجوهرية- .
والاهم من كل ذلك انه بلدوزر "السلام المسلح" على الطريقة الجابوتنسكية والبن غوريونية والشاميرية والرابينية والباراكية والنتانياهوية..
والسلام الذي يريده البلدوزر يقوم على اساس "اختفاء الطرف الآخر الفلسطيني سياسيا وحقوقيا" كما يؤكد الكاتب والباحث الاسرائيلي ميرون بنفنستي وبعد "ان يتم تفكيك البنية التحتية للارهاب الفلسطيني.. واستكمال بناء الجدار" الذي اخذ يفرخ عشرات الجدران الاخرى..
فهل يرى احد ياترى ان شارون والجنرال موفاز معه يحملان لنا اجندة اخرى.. وسلاما اخر يختلف عن "السلام الصهيوني المسلح"..؟!!
ولذلك من المفيد دائما ان نتوقف امام خرائط الحرب الاحتلالية الحقيقية التي تجري هناك على الارض الفلسطينية...وامام ادبيات وطبيعة السلام الذي يريدونه ويبحثون عنه ويسعون لابتزازه منا...؟!!!