وزيرة الخارجية الأميركية، تؤجل زيارتها المقررة لكوريا الجنوبية، وذلك لمنح المفاوضات على مسار المعابر، فرصة أفضل للتوصل إلى اتفاق ظل عسيراً طوال الأسابيع الماضية، والتي لم تنجح، كوندوليزا رايس، خلال الفترة القصيرة التي قضتها بالتنقل بين القدس ورام الله، في إحراز تقدم يكفي لإنهاء هذه القضية، وواضح أن هناك جهداً كبيراً، تقوم به الإدارة الأميركية من أجل إغلاق هذا الملف، على الأقل لناحية التوصل إلى اتفاق، ما يتيح المجال، بين فترة وأخرى إلى "اشتباك" بين الخصوم على تفسيره، بما يسمح مرة أخرى، ومرات إضافية، لواشنطن في التدخل، لفضه، الخارجية الأميركية، تريد أن تبقى في صورة "الإطفائي" الذي ينهض لإطفاء الحرائق التي يكون، ربما سبباً في إشعالها.

وبرأينا أن الولايات المتحدة، باتت على يقين، أكثر من أي وقت مضى، أن تقدماً حقيقياً على طريق استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، غير ممكن، على الأقل لستة شهور قادمة، فهناك انتخابات تشريعية فلسطينية، تعقبها بعد شهرين أو ربما أكثر، انتخابات برلمانية إسرائيلية، إلى ذلك الحين، ولفترة بعدها، إلى حين تستقر نتائج الانتخابات على الصعيد السياسي الداخلي، لكل من فلسطين وإسرائيل، لن يكون بالإمكان العودة إلى مفاوضات أو مشاورات جادة، من هنا، تندفع الإدارة الأميركية "لإجمال" التحرك باتجاه المعابر، كامتداد لرغبة واشنطن في استثمار ما سمته بالإنجاز الهائل المتمثل بإخلاء إسرائيل لمستوطني ومستوطنات قطاع غزة، وحقيقي أن الولايات المتحدة تريد أن تفتح المعابر لتسهيل حياة الفلسطينيين في الضفة والقطاع، الأمر الذي سيشكل عنصراً إيجابياً لصالح السلطة التي ستشارك في انتخابات برلمانية، عبر حزبها الرئيسي، حركة "فتح"، في معركة انتخابية حامية الوطيس ولكن بالمقابل، فإن واشنطن معنية بعدم إغلاق هذا الملف إغلاقاً كاملاً، كونها لا تريد أن "تغادر" الجهود التي تبذلها في المنطقة طوال فترة الكساد السياسي التي ستتواصل إلى حين استقرار الأوضاع في مناطق السلطة الفلسطينية وإسرائيل بعد أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية لديهما.

ومع أننا سمعنا أنباءً متضاربة، خلال الأيام القليلة الماضية، من مصادر فلسطينية، وإسرائيلية، حول موعد فتح المعابر بعد التوصل إلى اتفاق متوقع بين لحظة وأخرى، فإن التصريح الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأميركية صبيحة أمس الثلاثاء، حول التوصل إلى اتفاق نهائي يقضي بفتح المعابر، كلها، بعد عشرة أيام، وضع حداً للتضارب الناشئ عن صعوبة العملية التفاوضية حول المعابر، وبينما بات بإمكان كوندوليزا رايس المغادرة إلى كوريا الجنوبية، كإعلان عن نجاحها في فتح المعابر وإغلاق الملف، فإن الجانب الفلسطيني سيشرع قبل أن تفتح المعابر، في تقييم الاتفاق، الذي يبدو حسب مصادر مختلفة، من بينها إشارات إسرائيلية، أن قطاع غزة، سيظل من الناحية العملية إضافة إلى الجوانب القانونية، تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي.

إعلان "رايس"، تم بحضور الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا والموفد الدولي الخاص جيمس ولفنسون، لكي تمنح الاتفاق المعلن عنه، تغطية اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي، خاصة أن ولفنسون، سبق أن أعلن أنه يدرس الاستقالة من منصبه بسبب تعنت إسرائيل ورغبتها في الإبقاء على قطاع غزة تحت الاحتلال كسجن خاضع للمصالح الإسرائيلية، لكن ما تسرب عن الاتفاق يشير إلى أن إسرائيل قد حققت في نهاية الأمر، كافة الاشتراطات التي اشترطتها للتوصل إلى الاتفاق المشار إليه، خاصة لجهة نصب كاميرات في معبر رفح يقوم طرف ثالث يشرف على تنسيق فلسطيني - اسرائيلي مركزه في معبر "كيرم شالوم" بنقل معطياتها مباشرة إلى الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى أنه لن يسمح إلا للفلسطينيين حملة الهوية الفلسطينية في استخدام المعبر، التواجد الإسرائيلي، حتى ولو لم يكن ظاهراً للعيان، فإنه من دون شك يصبغ عملية العبور من وإلى المعبر، بما يتنافى مع حقيقة أن هذا المعبر فلسطيني - مصري، قبول الجانب الفلسطيني، بعد ضغط شديد بوجود طرف ثالث، لم يبدد رغبة إسرائيلية جامحة في تذكير الفلسطينيين المحتفلين بالجلاء الإسرائيلي عن قطاع غزة بوصفه انتصاراً كبيراً وتاريخياً، بأن الأمر على خلاف ذلك، إذ ان هذا الجلاء، الذي هو مجرد إخلاء، لم يلغ استمرار السيطرة الإسرائيلية، على كافة مجالات الحياة الرئيسة في قطاع غزة، إضافة الى الضفة المحتلة بطبيعة الحال.

الصفقة كما تشير وسائل الاعلام الاسرائيلية، لم تكتمل الا بعد ان حاولت اسرائيل التأكيد على موقفها الرافض لمشاركة حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، رغم تأكيدها، من جهة اخرى، على انها لن تعرقل هذه الانتخابات، ويقال بهذا الصدد ان الموقف الاميركي الضاغط باتجاه قبول اسرائيل بهذه المشاركة، كان شكلاً من اشكال المقايضة السياسية الامر الذي عقد من عملية التوصل الى الاتفاق حول المعابر وقد عبرت كل من الولايات المتحدة واسرائيل عن الموقف ازاء مشاركة حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بطريقة مختلفة تظهر التباين-المطلوب ربما في وجهات نظرهما ازاء هذه المسألة، ووفقاً للمحاضر التي نشرتها الحكومة الاسرائيلية، فان شارون اعتبر مشاركة حماس "خطأ فادحاً" بينما قالت رايس انه "سيكون اقناع حماس بنزع سلاحها بعد الانتخابات اكثر سهولة" واقوال رايس، تكاد تقترب من الموقف الفلسطيني الرسمي الذي يعتبر ان نتائج الانتخابات ستتمخض عن شراكة حقيقية في السلطة من قبل حماس، الامر الذي سيمكن من تبني مبدأ سيادة السلطة والسلاح الشرعي الوحيد، وهو سلاحها، مع الابقاء على تعددية سياسية تميز النظام السياسي الفلسطيني.

وسيقال الكثير حول "اتفاق المعابر" الذي لن يرضى احداً من اصحاب الرأي، لكن بوسعنا ان نستذكر تلك الاندفاعة الهائلة التي قامت بها جماهير غفيرة من ابناء وبنات القطاع، فور اخلاء اسرائيل لمستوطنيها ومستوطناعتها، الاندفاعة نحو الحدود مع جمهورية مصر العربية، واختراقها وعبورها بشكل متواز لما فعله الكثير من المواطنين المصريين، من المناطق الحدودية المجاورة كرفح المصرية والعريش، ان هذه الاندفاعة المزدوجة، برأينا، كانت التعبير الاوضح عن ان المواطنين يحتلفون، بالنصر، من خلال التعبير عن "حرية الحركة" بالاتجاهين، ولم تكن في الواقع، احتفالات النصر من خلال المهرجانات والمسيرات المسلحة، بقدر ما كانت عبر الامساك بالحرية من خلال التنقل والعبور والاختراق وقد لا يوفر الاتفاق مساحة كاملة من حرية التنقل، لكنه بدون شك سيفتح المجال واسعاً امام عبور واختراق على اوسع نطاق ممكن، واذا كان من مصلحة البعض الابقاء على الوضع الداخلي المتأزم والمكبوت والمطحون، على ما هو عليه، فان اختراقاً ولو كان جزئياً، سيجعل من حرية الحركة وانتقال الافراد والبضائع، في كل الاتجاهات بما في ذلك، الرابط بين غزة والضفة الفلسطينية، والمعنى الاهم في هذا السياق، هو اعادة الحياة الى شقي الوطن الفلسطيني وتجسيد وحدة وطنية حقيقية من الناحية الجيوسياسية رغماً عن ارادة الاحتلال!! - (الأيام 16 تشرين الثاني 2005) -