ربما تكون الدولة اللبنانية، قد تنبهت الآن، الي مخاطر مسايرة التيار الاستئصالي، الذي لا يعارض فقط، أن يكون هناك سلاح بيد الفلسطيني، وإنما يعارض كذلك، تملك الفلسطيني لأي عقار، ويعارض دخول الفلسطيني الي سوق العمل، ويتدرج في التطرف حيال الفلسطيني، من مستوي التمسك بأشد القوانين عنصرية، الي الدعوة الصريحة للقتل، والي معارضة وجود الفلسطيني، مثلما دعت عصابة ما يُسمي بـ حُراس الأرز !

المفارقة في الموضوع، أن الحقبة السورية المنتهية حديثا في لبنان، وهي التي يُفترض أن تكون حقبة العروبة، وليس حقبة القهر العنصري من عرب لعرب؛ شهدت أسوأ التطبيقات، للقوانين الكريهة ضد الفلسطيني في لبنان. وترتسم المفارقة، عندما تستهل الحقبة النقيضة، أو الدولة المتحررة من الهيمنة السورية، معالجات ما بعد السوري، بإثارة مسألة الوجود الفلسطيني، تحت عنوان السلاح الفلسطيني. ومن هنا نفهم، أن الحقبتين، السورية وما بعد السورية، كانت لهما مصلحة واضحة في أخذ مخيمات شعبنا في لبنان، كوسائل إيضاحية، أو كأوراق ابتزاز، وبالتالي كانت لهما مصلحة أكيدة، في تسليط الضوء علي المخيمات، وتصويرها كبؤر أمنية وكمخابئ لمطلوبين للعدالة وليس كمناطق كثافة سكانية لشعب نبيل ومناضل وصاحب قضية. وربما تكون أوساط الأمن اللبناني، هي التي استخدمت حُثالات من الفلسطينيين، لبست لبوس الثوريين، مهمتها إطلاق تصريحات، من شأنها تبرير أي تحرك مضاد لشعبنا، أو حتي تبرير مواقف الاستئصاليين. وفي ذلك السياق، أهدرت حقوق الانسان الفلسطيني في المخيمات، وتعرضت حياة أهلنا فيها للخنق، ونشطت عصابات تزوير التأشيرات التي تساعد علي الوصول الي إسكندنافيا وسائر أوروبا والأمريكيتين، ونفذت الدولة، في الحقبة السورية، كل ما من شأنه أن يضع الفلسطيني أمام أحد خيارين: إما امتشاق السلاح بغير أفق، بحيث يكون الفلسطيني الذي يراد له أن يبقي مذموما وعنوانا للتصفية، شاهدا علي نفسه، وأن يكون فزّاعة للآخرين، وبرهانا علي فضل الوجود السوري، في حماية الناس من شر أعماله وأعمال غيره؛ أو أن يبادر هذا الفلسطيني، من الجيل الثاني أو الثالث أو الرابع، من تلقاء نفسه، الي الهجرة الثانية، الي أرض الله الواسعة!

التيار المعادي للعرب، في لبنان، يجرّ اللبنانيين ودولتهم الحرة الي سوء السبيل. فهؤلاء يؤجلون معركتهم حول سلاح حزب الله ويقولون أنهم سيناقشون الأمر لاحقا، في سياق الحوار ويستخدمون مسألة السلاح الفلسطيني وسيلة إيضاحية. لكنهم لا يريدون تضييع الوقت، بدون عمل ضمن مقايضة شيء بشيء: الإسهام في ابتزاز السوريين وترويعهم، لخدمة المشروع الأمريكي في العراق، ولخدمة الشروط الإسرائيلية للتسوية مع سورية، مقابل استهداف السلاح الفلسطيني، كمقدمة لإخراج الفلسطيني نفسه من لبنان، ضمن ترتيبات مع السلطة الفلسطينية، سيما بعد إخلاء غزة!

وبالطبع أقتضت شطارة اللبناني من هذا الطراز (وهو الخبير في مسايرة كل المراحل، وفي الضحك علي ذقون كل القوي السائدة، ولم يقطع حبل الود حتي مع هولاكو عندما جاء غازيا) تعديل خطابه السياسي، لتصبح السلطة الفلسطينية علي لسانه، دولة مستقلة، وليصبح الرئيس الفلسطيني صاحب فخامة، وليصبح إخلاء غزة، أرضا محررة، وليتبدي الموقف اللبناني، مؤيدا ومساندا للفلسطيني، علي طريقة الله يبعدك ويسعدك ويقويك، لكي تلملم جماعتك من لبنان وتريحنا !

أما امتدادات الفصائل وجيوبها، في المخيمات الفلسطينية في لبنان، فإنها في وضع لا تُحسد عليه، وغير ملمومة إن اجتهدت بأي شيء. فمرجعياتها الأساسية، تسبح في مياه سياسية ضحلة، وقد غاصت في حكايات صغيرة، هي دون القراءة العلمية للمشهد العام في فلسطين وفي المنطقة.

في هذه الأثناء، جاءت المعلومة التي أبرقتها وكالة الصحافة الفرنسية، عن تهريب سلاح للفلسطينيين في لبنان، باختيار ملعوب، للعنوان الفلسطيني، بحيث يكون أكثر التصاقا بالجهات الأمنية السورية، في خضم هذه الموجة العاتية، من فوعة الأذناب والواهمين، الذين يريدون خلق مناخات تساعد علي غزو سورية أو حصارها. وكأن السلاح إن اضطر الفلسطينيون الي إدخاله الي مخيماتهم، سيأتي تهريبا وليس شراء من سوق أية قرية لبنانية، أو كأن جماعة أبو خالد العملة إن اشترت مئة بندقية ـ مثلا ـ ستجد مئة مجند لكي يحملها.

موضوع المخيمات والسلاح الفلسطيني، يحتاج الي حوار لبنان فلسطيني، والي اتفاق علي ضمان الحقوق الانسانية للفلسطينيين في لبنان، وضمان أمنهم، ورفع القوانين العنصرية عن كاهلهم، وطرح رواية رسمية تؤكد علي أن الفلسطينيين لم يكونوا سببا في الحرب الأهلية، وإنما ضحايا لها، كاللبنانيين من شتي الطوائف المتجاورة في بلد واحد. فالتناقضات اللبنانية ما تزال قائمة وشاهدة علي أسباب الحرب السابقة وشاهدة أيضا علي جهود منع الحرب اللاحقة بينهم. وقد بات مطلوبا بإلحاح، تسوية وضع الفلسطينيين، كمقيمين مؤقتين، مثلهم مثل مئات الألوف من المقيمين الآخرين، الذين لهم الحق في التملك وفي العمل، في بلد يقول أنه علي وشك الدخول في اتفاقية التجارة الدولية! -(القدس العربي 10 اكتوبر 2005) -