عند وصوله الي رام الله أو غزة، تواجه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، ملفات ساخنة، في مقدمتها ملف الإشكالية القائمة بين الحكومة والمجلس التشريعي، ومن بينها ملفات الأمن، وشكوي بعض قادة الأجهزة أنفسهم، من الفلتان، وشكواهم للرئيس عباس نفسه، من أن بعض الأجهزة تأوي خارجين علي القانون، ولا تُظهر الحد الأدني من الاستعداد، لضبط الأوضاع. وهناك ملفات الانتخابات الداخلية التمهيدية، في حركة فتح وما تواجهه من إشكالات علي الأرض، والانتخابات التشريعية ومصاعب إجرائها، في بيئة سياسية وأمنية غير مواتية، وملف غزة ومعابرها، فضلاً عن الضغوط المالية، التي كان آخر تعبيراتها استعجال السلطة الفلسطينية، وصول صورة عن شيك مصرفي بقيمة المساعدة الجزائرية، لكي تتخذ منه أساساً للصرف المبكر للرواتب، قبل عطلة عيد الفطر. ومن بين الملفات كذلك، إشكالية تعارض الصلاحيات حول السفارات، ومستلزمات تنفيذ قرارات الرئيس محمود عباس، بإجراء المناقلات والتعيينات في السلك الديبلوماسي الفلسطيني!

بعض هذه الملفات، في تقديرنا، تضخمت بسبب بطء الرئيس عباس وعدم حسمه، وهو الأمر اللافت علي مستوي المهتمين بالشأن الفلسطيني العام. ومن المفارقات، أن الأمر الوحيد، الذي بدا حاسماً في أداء الرئيس محمود عباس، هو تمسكه القاطع بالموعد الانتخابي، دونما تغييرات علي الأرض، لتهيئة مسرح هذه الانتخابات، تحاشياً لأن تتحول الي فصل جديد من الفوضي، ومن الاحتكاكات ومن التجاذب الحاد، علي المستوي الفلسطيني العام. وفي هذا الخضم، بدا واضحاً أن المؤسسة الأمنية، في حاجة الي جهد نوعي، والي قرارات حاسمة، لكي تكون رافعة البرنامج الحكومي، ولكي تكون متكأ لعملية توافق فلسطيني، تقوم عليه استراتيجية العمل الوطني، في هذه المرحلة العسيرة. ولعل زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة الي واشنطن، قد كشفت عن مصاعب المرحلة السياسية، أكثر من أي مناسبة أخري، إذ تراجع الجانب الأمريكي، عن بعض التزامات سابقة، ولم يكن هناك أي نوع من التأكيد، حتي علي ضرورة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ، علي بؤسه وعلي ضآلته!

أمس الأول، وصل محمد دحلان الي غزة، بسلامة الله، عائداً من رحلة علاج تخللها الكثير من الشائعات. وقد لقي دحلان استقبالاً شعبياً، غابت عنه الحكومة التي هو عضو فيها. غير أن تلقائية الترحيب الشعبي بدحلان، بدت لكل من يعنيه رصد حركة الناس والشارع، أشبه بنزوع غريزي الي اليقين، علي الأقل علي مستوي القضايا التي تهم حياة الناس اليومية. وكان حجم الحشد الذي يستقبل الوزير دحلان، في المعبر وفي خان يونس، لافتاً ومدعاة الي التأمل، إذ بدت الجموع راغبة في مغادرة مناخات الثرثرة الفارغة والكلام العقيم، وصولاً الي أجواء العمل الفعال والكلام المفيد. وكان واضحاً، أثناء غياب دحلان، أن هناك فراغا، وأن المشهد ممتلئ بلا شيء، وبلا بدائل لأي غياب. وربما يكون هذا قد أقلق دحلان نفسه بقدر ما أسعدته مشاعر الناس. ونحن، هنا، نؤدي واجبنا في رصد حركة الناس والتعليق عليها!

قبل سفره، أرسل الرئيس محمود عباس الي المجلس التشريعي، يقول إنه سيدعو الحكومة الي الاستقالة يوم 30 من هذا الشهر. وسواء حدث هذا أم لم يحدث، فإننا مقبلون علي مراوحة طويلة، في مربع الحكومة، وفي مربع مناقشة جدوي استمرارها أو جدوي رحيلها، الأمر الذي من شأنه أن يبدد أسابيع من المدة المتبقية للانتخابات، حسب الموعد المقرر حتي الآن، وبالتالي أن تزداد مصاعب إجرائها في موعدها. وفي حال أن يصبح تأجيل الانتخابات أمراً مفروغاً منه، لأسباب ذاتية كيانية ولأسباب موضوعية، سندخل الي جدال مرير آخر، يُحسن أبو مازن صنعاً إن استبقه بالدعوة الي حوار فصائلي عاجل، يكون جدياً وصريحاً وعميقاً، بقدر ما يكون سريعاً، لكي يُصار الي تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضع الأساس لعملية التصدي للملفات الشائكة، بقوة أدبية ومعنوية لن تتأتي للحكومة الحالية، مثلما لن تتأتي إن أعدنا التشكيل، من طبق البيض القديم، أي من أعضاء التشريعي، أو من الوزراء السابقين، ليستمر التداول علي المائدة، بين البيض المسلوق والعُجة والبيض المقلي. وحبذا لو أعلن الرئيس محمود عباس، عن حل المجلس التشريعي، وتشكيل مجلس استشاري انتقالي، من كل الأطياف، يُهيئ الساحة لانتخابات ناجحة، ويبدأ العملية الطويلة في الاتجاه الصحيح، لترميم النظام السياسي، علي قواعد راسخة! - ( 24 تشرين اول 2005) -