لم لا يتمرد العرب على التعليمات، والأوامر الإسرائيلية؟ لا سيما أن جانبي المعبر الواصل بين مصر وفلسطين ـ وفق تسمية سايكس بيكو ـ يقع الآن تحت السيطرة و النفوذ العربي بالكامل؛ المصري والفلسطيني، وبعد أن فقد الجيش الإسرائيلي سيطرته التي حالت دون تشغيل المعبر بين بلاد العرب، وقد دللت الأحداث الأخيرة على أن الشعب المتواجد على طرفي السلك الفاصل بين مصر وقطاع غزة هم عائلة واحدة، وأسرة ممتدة باعد بينها الأعداء، وقد جاءت الفرصة المناسبة للتواصل الإنساني والعائلي، فلم انتظار القيادة العربية للموافقة الإسرائيلية على فتح المعبر العربي، الذي لا يربطه مع إسرائيل رابط، لاسيما أن إسرائيل هي التي قامت بخطوة فك الارتباط من طرف واحد، وهذا ما يملي على العرب التصرف بمنافذهم، بين بعضهم البعض، على طريقتهم، ودون مراقبة خارجية؟

للوهلة الأولى يبدو كلام السيد غسان الخطيب، وزير التخطيط في السلطة الفلسطينية منطقياً، عندما قال لفضائية الجزيرة: أن فتح الحدود مع مصر من طرف العرب دون الموافقة الإسرائيلية قد يؤثر سلباً على القضية الفلسطينية، لأن التعرفة الجمركية المعمول بها في الضفة الغربية وغزة مرتبطة بإسرائيل، فإذا فتحت الحدود مع مصر يصبح لقطاع غزة تعرفة جمركية مغايرة لما هي عليه في إسرائيل والضفة الغربية، وهذا يعتبر تخلياً عن ربط مصير غزة مع الضفة الغربية!!

إن كلام الوزير الذي يرجع هذا التبرير إلى اتفاقية باريس الاقتصادية يعكس رغبة فلسطينية تخلت عنها إسرائيل، وهي تدوس على كل الاتفاقيات بما في ذلك المجحفة بحق شعبنا، من اتفاقية أوسلو وحتى اتفاقية باريس، وواي ريفر، وتصرفت إسرائيل بمفردها بخطة الفصل من طرف واحد، على ضوء المستجدات الميدانية التي أملت على شارون ملك الاستيطان خلع مستوطناته بيديه.

إن دلالة كلام الوزير الفلسطيني لا تعكس عدم رؤية المستجدات الميدانية فقط، وإنما تعبر عن تواصل الاستسلام العربي الفلسطيني للمشيئة الإسرائيلية، وتواصل الجمود في تطوير الرؤية الفلسطينية في التعامل مع إسرائيل، ويعكس عدم الندية الفلسطينية في التفاوض مع الإسرائيليين، وكأن حال القرار الفلسطيني على ما كان عليه قبل الانتفاضة، يستوجب التريث في كل أمور الحياة الفلسطينية إلى أن تشفق علينا إسرائيل، ويحن قلب جنرالاتها على الفلسطينيين، وتفتح لهم المعبر الذي أغلقته بشكل مجرم في وجه تنقل المواطنين.

وإذا كان كل ما يجري على الأرض الفلسطينية مرهون بالموافقة الإسرائيلية، فلم تطلق السلطة الفلسطينية لفظة الانسحاب الإسرائيلي، على ما تسمية إسرائيل بالعبرية (هتنتكوت) بمعنى فصل، ولم مظاهر الفرح الوهمية التي أوحت للعالم أن شارون رجل السلام الأول، قام بخطوة سياسية جبارة، ويجب التعامل معه كصاحب رؤية سلمية، وهو ما يشجع على تطبيع العلاقات العربية والباكستانية مع هذا الخط الشاروني السلمي؟

لقد أقدمت إسرائيل على خطة الفصل من جانب واحد، وهي التي تتحمل مسئولية وتبعات الفصل، وإحدى تبعاته فتح الحدود الدولية بين قطاع غزة ومصر، وما ينجم عن ذلك من متغيرات، وإذا كانت إسرائيل قد تصرفت بخطة الفصل عن غزة بعيداً عن كل الاتفاقيات، فحري بالفلسطينيين التحلل من اتفاقيات أرهقتهم، والعمل على خلق واقع جديد، يفرض على إسرائيل اتفاقيات جديدة، والتأكيد على اتباع أسلوب الضغط الذي مارسه شعبنا طوال سنوات الانتفاضة، أسلوب المقاومة الذي خلق واقعاً جديداً، ألزم إسرائيل بالتخلي عن السيطرة على قطاع غزة من طرف واحد.

على السلطة الفلسطينية أن تقتنع بأن المقاومة الذي يتوجب التمسك به، لهي الكفيلة بالضغط على إسرائيل لتعديل كل الاتفاقيات المجحفة التي وقعت معها تحت ضغط حاجة القيادة الفلسطينية للعودة إلى الوطن في ظروف قد تكون مبررة، المقاومة فقط تقدر على الضغط على إسرائيل للاعتراف بالحق العربي في الضفة الغربية كما اعترفت به في غزة، وليس التقيد باتفاقية باريس الاقتصادية الظالمة باعتراف موقعها.

إن التريث المصري، والانتظار الفلسطيني إلى حين الموافقة الإسرائيلية على فتح المعبر في مكانه السابق تحت مراقبة دولية، أو نقل المعبر إلى المثلث الحدودي (كيرم شالوم) تحت العين الإسرائيلية؛ هذا التريث العربي يكشف بجلاء عن ضعف الإرادة، وفقدان التأثير على الحدث، وينبئ إلى عدم تفهم القيادة الفلسطينية لطاقة شعبنا، وقدراته غير المحدودة في تغيير الواقع، وينبئ بشر النتائج السياسية إذا تواصل التفاوض مع إسرائيل بالعقلية ذاتها التي ركنت إلى مبدأ التفاوض فقط، لمدة عشر سنوات خلت، وينبئ بقوة النفوذ الإسرائيلي المؤثر على القرارات العربية، والقادر على التحكم بها عن بعد.