لم تمطر الدنيا كما فعلت حين قررت أن تغمض عينيك بعيدا عنا وتكتفي بما قلت فإما أن نكون أغبياء ولا فائدة من أن تقول لنا أكثر وإما أننا سننبش الحروف التي أطلقتها كي نتعلم كيف يوصل حب الوطن إلى التهديد بخيانته ما دام يأوي الخونة فنقض النقض إثبات وخيانة الخائنين ودربهم قمة الامساك بالصواب
أيها الحالم بالله على طريقة المعذبين, بالخبز على طريقة الجوعى، وبالماء على طريقة العطشى, وعلى طريقة المشردين بالوطن كما نحن الفلسطينيون ومعنا كل العرب أينما كنا في المنافي أو على هوامش وطن لا نجد مكانا لأقلامنا أو سكك حراثتنا على وجه صفحته ولا مجال أمامنا لأن ندفن وجوهنا بين طياته لنبكي دون أن تنغزنا بنادق المحتلين المعلنة أو قنابلهم المزروعة بين ثنايا ملابس نومنا ما دمنا لا نمارس فعل الاستيقاظ رغم أن عيوننا لا تعرف الإغماض.
أيها القادم من أقصى شرق عدن والمغادر طواعية إلى ما بعد الغرب مرورا بالعرش الإلهي... ها أنت تصرخ بكل صوتك الذي لم ينحني أبدا, تماما كما هي قامات الأشجار في سهول فلسطين وحوران وتونس والصعيد, لنا نحن الذين ننزف ألما على بوابات ألفية قادمة ليس لنا بها سوى تعداد الأرقام ونحن مختفين خلف الجدران ولا نملك حتى حق الجلوس على حوافها, أن تمسكوا بوطنكم انتم لا بوطنهم هم، أن التحفوا أرضكم المرنخة بكل الماء الرائع وانتم تلهثون من العطش، أرضكم التي تملأها كل بذور الخير وانتم جوعى, أرضكم التي تصفر الرياح في بيوتها وانتم مشردون.
كلما التقيتك عشت لحظة اندهاش حقيقية قليلا ما تزورني فمن يعيش متلبسا مرض الكتابة في زمن قلت عنه:
”فبعد أن صار العميل والخائن والجاسوس واللص والمهرب والمزور .............................. ................................ ................................ لا يتحدثون إلا عن الوطن وهموم المواطن والمقاومة والاحتلال وعار الاحتلال فعن ماذا نتحدث عن الكتاب والشعراء عن الحمى القلاعية وجنون البقر".
من يعيش في هذا الزمن يا صديقي ويجد القدرة على أن يرفع عينية باندهاش الفرح لا بد وانه محظوظ وأنت كنت دوما تجعلنا من المحظوظين لأننا نعيش معك، واظنك تدرك وأنت تغادرنا أن لدينا اليوم والحمد لله أنفلونزا الطيور لكي نكتب عنها بديلا لوطن يحاولون تفصيله على طريقتهم.
أيها الساكن فينا قبيل ولادتنا, الرجل الذي لم يعش تماما كما لم يمت, الذي لم يأتي تماما كما لم يذهب وليس لدى المخاتير ولا القابلات ولا سجلات المستشفيات تأريخا لميلاد طفل صغير مثل باقي الأطفال اسمه محمد الماغوط، بينما أنا واثق جدا أن لك سجلات وسجلات في كل أقبية أجهزة الأمن العربية وسيورثها مخبر لآخر ون يطووا صفحة ملفك في خزائنهم لأنك لم تعد حسدا ولم تكن جسدا ولأنك تملك فعل القول عبر ذوات الآخرين الذاهبين القادمين, واظنهم لم يحملوا في النعش إلى المقبرة هناك سوى أشلاء جسد بينما ظللت منذ الأزل هنا بين ضواحي دمشق والقدس والقاهرة.
يا صديقي... ليس سلاما وليس إلى اللقاء فمن لا يفترقون لا يمارسون أمنية اللقاء, فالق بقلمك الآن على حواف بردى فالأطفال الذين يتعلمون تعرجات الحرف على يديك سيرسمون جمالات الغد أغاني تورق فعلا دنيويا يورث الكون حلم الإقتداء.
يا أبا شام ...ستمطر أكثر بعد اليوم في السلمية التي استعادت وديعتها بينما مطر حروفك سيورق حتما مخا رزا في عيون أولئك الذين خانوه ذاك الرائع الساكن فينا رغما عنهم. - مفتاح 7/4/2006 -