دخلت الحرب الإسرائيلية على لبنان مرحلتها الثانية والأخيرة (ربما)، والأرجح أن وقائع الأسبوع الرابع من المواجهة ستحسم مصير المعركة والحرب معا، ليس على المستوى التكتيكي فحسب، بل وعلى المستوى الاستراتيجي كذلك.
إسرائيل، وبعد أسابيع ثلاثة من سياسة الأرض المحروقة، اعتمادا على سلاحي الجو والبحرية، وجدت نفسها وجها لوجه أمام جدار مسدود: لا تقدم جديا على خطوط القتال، لا تقدم جديا يكدر على طريق تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية المباشرة للعدوان، خسائر فادحة في صفوف المدنيين اللبنانيين، رفعت كلفة الحرب وحولت اتجاهات الرأي العام الدولي وجعلت الاستمرار في هده المعركة أمرا متعدرا.
بيد أن هيبة "جيش الدفاع"، التي تعد بحد ذاتها قيمة استراتيجية لإسرائيل، وركنا أساسيا من أركان نظرية الأمن القومي، أصبحت على المحك، وباتت الدولة العبرية ذاتها، بحاجة لـ"انتصار ما"، أي انتصار للخروج من أوحال المستنقع اللبناني، بأقل قدر من ماء الوجه، وأدنى مستوى من الخسارة.
حتى إشعار آخر، ستعمل آلة الحرب الإسرائيلية على تحقيق تقدم ما، أقله لبضعة كيلومترات، تتخذ منها ورقة للمساومة والمقايضة عندما تحين لحظة المقايضات وتعقد جلسات "المقاصة"....حتى إشعار آخر، ستظل إسرائيل بحاجة لتكثيف عمليات الجوية التدميرية، لا لتسهيل عمل قواتها على الأرض فحسب، بل ولتلقين اللبنانيين درسا لن تنساه أجيالهم القادمة.
لكن كافة المؤشرات، بما فيها الأوروبية والغربية، بل وحتى الإسرائيلية، تشير إلى إن إسرائيل تستعد لخوض غمار "مغامرة غير محسوبة"، برغم التحشيد العسكري والتفوق التكنولوجي الهائل....والأرجح أن حصاد المرحلة الثانية من حرب إسرائيل المجنونة، لن يكون أفضل من حصاد مرحلتها الأولى، والبشائر التي تأتينا على الهواء مباشرة، من محاور الدعيسة – كفر كلا، والطيبة وعيتا الشعب والمطلة، تشير إلى أن مغامرة إسرائيل قد ترتد عليها، وأنها لن تخرج من "مولد الحرب الدامية، إلا بقليل من الحمص، وربما بوعاء فارغ".
والراهن أن غرفة العمليات الأمريكية – الإسرائيلية المشتركة التي تقود اجتماعاتها كونداليسا رايس، تدرك تمام الإدراك أن المهمة عسيرة، وأن الشرق الأوسط الجديد ليس سوى أضغاف أحلام، وأن الخيار الوحيد المتبقي أمام الحليفتين الاستراتيجيتين، هو التواضع في "المطالبات والشروط" والتسليم بأن حزب الله ومقاومة لبنان عصية على الكسر والتصفية، وأن عصر الإملاءات والحروب الخاطفة والرايات البيضاء قد ولى وإلى الأبد.
إسرائيل بحاجة لانتصار، وحزب الله قادر على مزيد من الصمود والتصدي...وسيف الوقت لم يعد مصلتا على رقاب اللبنانيين، بل على رقبة أولمرت ورايس ، فكل يوم يمضي تكسب واشنطن أعداء جدد، وتنضم عناصر جديدة إلى نادي كارهي إسرائيل فكرة ودولة، كل يوم يمضي يجد أصدقاء واشنطن أنفسهم فيه في حالة صعبة للغاية، فشوارعهم تكاد تفلت من أيديهم، والغضب الجماهيري يعمق عزلتهم وهم لا يجدون اليوم من خيار سوى التساوق مع تطلعات شعوبهم ومطالبها.
نحن في ربع الساعة الأخير، والأرجح أن تسونامي الحرب سيجرف في طريقه أفكارا وحركات، رموزا وسياسات، فبعد اليوم، لن نطيق صبرا على عملية سلام مترنحة، ولن نقبل بخطاب التخاذل والاستسلام، فمقاومة إسرائيل ممكنة، والنصر عليها ممكن كذلك.
* مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية - مفتاح 2/8/2006 -