قد تكون الهزيمة الماحقة التي أصيبت بها الهيبة العسكرية الصهيونية على أيدي المقاومة في لبنان وفلسطين رغم كل آلة الدمار التي تم إستخدامها لفرض حالة عامة من الخنوع العربي قد أوصلت الحالة الداخلية إلى قناعة بأنه لا يمكن الاستمرار بذات السياسة والادعاء بالانتصار بينما الهزيمة واضحة لكل محلل عسكري وسياسي من خارج دائرة الصهيونية التي ما تزال تقرع طبول الحرب في جولات قادمة..

بعيدا عما إذا كانت قناعات أم تكتيكات متغيرة في طبيعة الخطاب والفعل الصهيوني، وخصوصا أمام الحالة السورية التي أثبتت وللمرة المائة بأنه لا يمكن القفز عن الدور والثقل الذي تمثله السياسة السورية إقليميا وخصوصا في مواجهة المشاريع التفتيتية التي تطال الحالة العربية أكان عبر دعم المقاومة والممانعة أم لجهة الاصرار على المواقف الثابتة الرافضة للمطالب الامريكية مهما كثرت الاغراءات، فإن شيئا ما يُعد في الكواليس الامريكية الغربية والصهيونية...

لقد تهافت العرب إلى القاهرة ليكرروا ما قاله دوما الموقف السوري من كل العملية "السلمية" ومن المقاومة، وقد صدق قول الرئيس السوري بأننا سنرى تهافتا سريعا بفعل إنتصارات وصمود المقاومة في كل من لبنان وفلسطين، فبتنا نرى حتى مزايدات على الموقف السوري من تلك المقاومة وهذا الصمود الذي أثبت وبكل بساطة بأن موقفا عربيا جماعيا رافضا لإملاءات وقراءة أحادية للادارة الامريكية لا يمكن لها إلا أن تصب في مصلحة العرب وفرملة هذا الاندفاع المستخف بقيمة وقدرات العرب جميعا والاستفراد بهم فرادى...

أمام هذا الموقف لا بد أن يسأل الانسان ما هو المقصود من إطلاق التصريحات المتتالية عن ضرورة فتح باب المفاوضات مع سوريا بل ذهب البعض إلى حد المجاهرة بضرورة التخلي عن الجولان المحتل؟

هل هو تكتيك أمريكي معروف يسمى "الاحتواء"؟

لابد أن السوريين ليسوا بحاجة لمن يعرفهم بتلك السياسات الامريكية- الصهيونية، فمع كل الحديث عن "السلام مع سوريا" تتواصل التصريحات المشترطة والاخرى التي تجاهر بالتحضير "لجولة جديدة" ضد المقاومة... وربما ضد سوريا إذا لم تلتزم بالاشتراطات الامريكية التي تسعى إلى تحييد السياسة السورية وعزلها عن مواقفها من المقاومة وعلاقتها الاستراتيجية بايران...

في السياسة ليس هناك حسن نوايا ، وعليه فإن بوش الغارق في هزيمة في العراق تدفع به إلى إرتباك أكثر بعد فشل مخططه من البوابة اللبنانية قبل الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم... فقد ترغب ادارة بوش في تحريك الجبهة السورية عبر "عملية سلمية" على الطريقة الفلسطينية ليبدو وكأن حراكا ما تشهده المنطقة... ولإستفراد لا يحتاج الكثير من الذكاء لاكتشافه بالجبهة الفلسطينية ...

برأينا المتواضع هي محاولة إعادة تفكيك وتركيب المخططات في المنطقة وتقديم أولويات على أخرى، ولا أحد ينتقص من القدرة السياسية السورية على إكتشاف مثل تلك المحاولات...

إجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والذين إتخذوا قرارا برفع عملية التسوية إلى مجلس الامن الدولي ، ربما تكون بفعل إفتضاح المواقف الرسمية أمام الشارع العربي والدولي في تقصيرها وعجزها اللذين حمتهما الادارة الامريكية في إمساكها للأوراق العربية ، بل تسليم البعض العربي لتلك الاوراق، وهذا يعني بأننا سنشهد في الفترة القادمة المزيد من تمييع المواقف ريثما تتضح بوصلة الادارة الامريكية... اللهم إلا إذا وصلت القناعة بهذا البعض العربي إلى إستيعاب العبر والدروس من "البروسس" التي قادتها أمريكا لأكثر من 15 سنة دون نتائج إلا شق الصف العربي وخلق سياسة محاور غير مفيدة لأي نطام عربي...

بصراحة نشك ومن التجربة التاريخية بأن الادارة الامريكية يمكن أن تسلم بأخطاء السنوات الماضية في تعاطيها مع الحقوق العربية وتبني المواقف الصهيونية رغم الادعاء بأن دولا عربية "كبيرة" هي من "الحلفاء الاستراتيجيين" لها!

ما يتبقى أمام السياسة العربية في ظل الحديث عن فتح نافذة "عملية سلمية " مع سوريا أن تعي تلك السياسة بأن الموقف الموحد والتضامن مع المقاومة واستمرارها ودعم القراءة السورية وعدم ترك الفلسطينيين لمواجهة ما تريد الادارة المتصهينة في أمريكا فرضه عليهم والاصرار على إستثمار حالة الهزيمة التي أُصيب بها المشروعين الامريكي والصهيوني بعدم خفض سقف المطالب العربية ، هو الموقف الوحيد الذي يمكن أن يأتي ببعض الحقوق والمكانة العربية المهدورتين بفعل سياسات الثقة العمياء بالادارة الامريكية التي تحارب بأسنانها لتحقيق أي نصر ينقذها من حالة الهزيمة والانتكاسة التي أُصيبت بها بفعل سياسة المقاومة والممانعة المعروفة العناوين في المنطقة! - مفتاح 22/8/2006 -