دخل الفلسطينيون بانتخاباتهم البرلمانية مرحلة سياسية جديده أو يفترض هكذا، أو انتفاضة ثالثة قد تختلف عن الأولى والثانية من حيث أساليبها وأدواتها لا من حيث أهدافها، وإن كانت تعتبر امتداداً لها وأحد جوانبها. وكما يقال السياسة هي امتداد للحرب، أقول إن الديمقراطية هي أيضا امتداد للانتفاضة المسلحة بل هي ضمانة لها، فمما لاشك فيه أن هذه الانتخابات التي فازت فيها حماس بأغلبية برلمانية مريحة، قد تدشن لمرحلة سياسية ثالثة في تطور النظام السياسي الفلسطيني. وهنا يمكن ملاحظة التالي: هذه هي المرة الأولى التي تفوز فيها حركة إسلامية بالانتخابات وتصل الى السلطة ويعترف بها، وذلك عبر الوسيلة الديمقراطية، وهذا أول ما ينبغي إدراك مغزاه في عملية البناء السياسي وتأصيل مبدأ تداول السلطة.

أن الذي فاز هو في الحقيقة الشعب الفلسطيني وعملية الديمقراطية، والذي أثبت من جديد أنه قادر على الممارسة الديمقراطية كما هو قادر على المقاومة، وبالتالي هو يدحض كل مقولات دمغه بصفات العنف وأن مقاومته تعتبر إرهابا، وأنه شعب جدير بالممارسة الديمقراطية ومن ثم قادر على الالتزام بالإيفاء بشروطها، إذا ما توافرت له الضمانات الإقليمية والدولية لإنجاح هذه التجربة لا العمل على إجهاضها بالتهديد بمعاقبتها ووقف كل مساعدة عنها، بل الدفع في اتجاه تذليل العقبات من طريقها بإزالة الاحتلال ودعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسة حقوقه التي أقرتها الشرعية الدولية، وثالث هذه الملاحظات أن على كل القوى الفلسطينية وليس حماس فقط، أن تدرك أن وصولها للسلطة عبر الاسلوب الديمقراطي لا يكفي، فالانتخابات وإن كانت تشكل أحد أهم أبعاد الديمقراطية وعناصرها، فإنها لا تكفي، فالديمقراطية منظومة من القيم والحقوق والحريات والبنى المؤسساتية، وهي قيم في مجملها لا تتعارض البتة مع القيم الشاملة التي جاء بها الدين الإسلامي، ونحن ما زلنا في بدايات البناء الديمقراطي من هذا المنظور، نحتاج الى الكثير لعمله. ان هناك مسؤولية فلسطينية ودولية بالدفع في اتجاة استكمال الشعب الفلسطيني لحقوقه السيادية على أرضه، وأن يمنح الشعب الفلسطيني الذي اختار الفرصة للحكم على اختياره فيمكنه أن يغير ولكن عبر الوسيلة الديمقراطية.

لا شك في أن وصول حماس يشكل تحديا لها وللدول التي تتشدق بالديمقراطية، وعليه لماذا لا تعطي حماس فرصة ممارسطة السلطة؟ علما أن السلطة ظاهرة كلية وتدخل فيها عناصر ومتغيرات كثيره لا يمكن لحماس أن تتجاهلها.

والملاحظة الأخيرة هي إن الشعب الفلسطيني قد اختار حماس رغبة في التغيير ومحاربة الفساد ومعالجة ترهل السلطة وإعادة ترتيب البيت السياسي الفلسطيني، ولا يجوز إطلاقا وصف هذا الاختيار على أنه ضد خيار السلام والتسوية العادلة.

إن النضال من أجل الديمقراطية يمثل أولوية ملحة في هذه المرحلة المصيرية، بل إن السنوات العشر الماضية أثبتت مدى الحاجة الى أهمية دمقرطة النظام السياسي الفلسطيني، وكيف أن أحد الأسباب الرئيسة لتفسير حالة الفساد وانعدام الأمن وتراجع أداء السلطة هو غياب أو عدم استكمال العملية الديمقراطية، ولذلك بقدر نجاح الفلسطينيين في استكمال هذه العملية الديمقراطية بقدر قدرتهم على المقاومة ومواجهة التحديات الخارجية، وهذا يحتاج إلى أن ننتفض على أنفسنا، وأن تتوحد الجهود لاستكمال ما بدأ في 25/1 بتعزيز منظومة القيم السياسية والمؤسسات وتأصيل مبادئ الحوار الديمقراطي وتعميق المساءلة الدستورية، والتأسيس لشرعية سياسية صلبة وقوية، عندها لا خوف أن يصل هذا التنظيم أو ذاك.

إن نجاح الانتفاضة الجديدة يحتاج الى ترشيد كل القوى والإمكانات الفلسطينية في الداخل والخارج، فعلى مدار سنوات النضال والصراع و”إسرائيل” تقدم نفسها على أنها واحة الديمقراطية وعبر هذه المقولة نجحت الى حد بعيد في تسويغ مواقفها خارجيا، واليوم الفرصة كبيرة أمام الشعب الفلسطيني أن يعيد بناء نفسه ديمقراطيا، وليس معنى هذا إسقاط حقه في المقاومة، ولكنه إذا نجح في هذا المسار فمن شأنه أن يجد الحلول لمشاكله السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها. انتفاضة الديمقراطية أكثر صعوبة مما نتخيل وهي الدعامة القوية لمواصلة الشعب الفلسطيني نضاله السياسي. وهي الإجابة عن العديد من التساؤلات المطروحة الآن وتحتاج الى إجابات ليس من حماس فقط ولكن من الشعب الفلسطيني نفسه.

دار الخليج (02/08/2006).