أقدمت أميركا والنظام العراقي ومحكمة الاحتلال في العراق علي خطوة محسوبة ومقصودة بإعدام الزعيم العراقي صدام حسين يوم عيد الاضحي ليكون الأضحية الأولي في العالمين العربي و الإسلامي، مع التدقيق الشديد المصحوب بعلامة استفهام كبيرة علي كلمتي عربي وإسلامي؟ لتختلط دماء الأضاحي بدموع المحترمين الباكين علي قائد عربي مسلم يقاد للمشنقة ويموت بزعامة منقطعة النظير تزيد قاتليه غيظاً.

لم يكن إعدام الزعيم صدام محاكمة للنظام العراقي السابق أو انتقاما "للأنفال والدجيل" بقدر ما كان إعداماً لما تبقي عند العرب والمسلمين من كرامة بل هي عملية إعدام للكرامة نفسها!!! ولم تكن مساساً بمشاعر المسلمين يوم عيد الاضحي بل هي رفع للغطاء عن عورات المسلمين وانتهاك لأعراضهم ، ولم تكن صدمة أو مفاجأة بل هي جزمة قديمة كبيرة قذرة هوت رؤوس القادة العرب والمسلمين.

رسالة خطيرة وجهتها أميركا وإسرائيل مختصرة وقاسية في مناسبة اجتماع المسلمين يوم العيد لتقول لهم أين انتم؟ نحن هنا، نحن المنتصرون ونحن المحتلون، ونحن القتلة والمجرمون، قتلناكم وذبحنا أطفالكم في فلسطين والعراق ولبنان، ونسجن قادتكم بل ازعم قادتكم، نسرق أحلامكم بل أجمل أحلامكم، نسرق ثرواتكم بل نفطكم، نسرق أرضكم بل أقدس أرضكم، أين انتم أيها النائمون؟ لستم نائمون بل ميتون؟ هذا هو عنوان المرحلة القادمة لكل خارج عن سياستنا ورافض لخدمتنا وعاصٍ لأوامرنا، هذا هو شرق أوسطنا الجديد وهذه ديمقراطيتنا العريقة وهذه بنادقنا وطائراتنا وقنابلنا الذكية تهوي علي عقولكم الغبية فانتبهوا جيداً هل تفهمون؟؟

سيكتب الكثيرون عن إعدام الزعيم العراقي وسيسخط الكثيرون، وستبكي الملايين علي مشاهد القتل والذل، وسترثيه آلاف الأقلام الصادقة ، ستخرج الآلاف المعتادة علي الاحتجاج، وتعقد مئات الندوات والمهرجانات، وتحرق آلاف الأعلام الأمريكية والإسرائيلية في كل المناسبات، وسيبتسم "بوش الصغير" طرباً لسماعه هذه الأنباء كما ابتسمت سابقته الإسرائيلية "جولدا مئير" بعد حادثة إحراق المسجد الاقصي؟ وسيوجه للعرب والمسلمين من رسائله المزيد والمزيد، وسيكون مطمئناً لنجاح سياساته في الشرق الأوسط نظراً لاستمرار ردات الفعل المعتادة التي لم تخرج عن المألوف حتى الآن.

القادم سيء وقد يكون الأسوأ في تاريخ المنطقة، فقد زرعت بذور الفتنة الطائفية والسياسية وهناك عقول خصبة لتنمو بها هذه الفتنة وتزدهر، وهناك نظم سياسية عربية معنية بهذه الفتنة حفاظاً علي عروشها وولائها لسادتها وواضعي برامجها، بعضهم يذكي الفتنة "السنة والشيعة" ويدعي حرصه علي احدي الطائفتين، وبعضهم يذكي فتنة "الفارسي والعربي" ويدعي الحرص علي العروبة ، وبعضهم يتحدث عن خطرين نوويين "إسرائيلي إيراني" وحرصه علي درء مخاطر هذا التهديد، إنهم جميعاً عناصر معنية بتحويل وجهة الصراع عن حقيقته المتمثلة في صراع الإرادة أو الاستسلام، التحرر أو الاستعباد، اللصوص والمنهوبون ، الاحتلال والمحتلون، تلك هي الحقيقة في مواجهة أقاويل أشباه القادة العاجزين.

التحدي كبير جداً والحمل ثقيل بحاجة لجهود كل المخلصين لقضايا الأمة ، بحاجة إلي قيادات صادقة عوضاً علي فقدان القيادات التاريخية للعرب والمسلمين، بحاجة لأحزاب معارضة فاعلة تحضر نفسها للاعتقال والسجون والموت والمطاردة أو الوصول إلي مواقع الحكم واتخاذ القرار، بحاجة إلي مثقفين وكتاب صادقين لنشر الوعي الوطني والقومي وتنذر بما هو قادم وتتحسب له ، بحاجة إلي فنانين ومسرحيين وممثلين هادفين لإعادة صقل الوجدان العربي من جديد بروح العزّة والكرامة والنخوة التي باتت عملة نادرة، بحاجة إلي طاقات الشباب والمرأة في تفعيل الحياة السياسية عوضاً عن واقع التهميش المقصود المنظم والركون للواقع أو الدعوات في المساجد والكنائس أو فشات الخلق علي الفضائيات، بحاجة إلي إعلاميين وطنيين ووسائل إعلامية لا تختبئ تحت شعار المهنية والحيادية أو شعار الرأي والرأي الآخر في انتظار شهادات الشكر والتقدير، بحاجة لحقوقيين يبحثون عمّا تبقي لنا من حقوق، إننا بحاجة لثورة مفاهيم علي كل مفاهيم وأفكار الهزيمة، بحاجة لثورة علي الذات والكسل والإحباط.

إذا لم يكن انتصار المقاومة اللبنانية حافزاً، ودماء الشعب الفلسطيني دافعاً، وآلاف الضحايا العراقيين شاهداً علي فشل سياسات الاحتلال والاحتماء بقوات الاحتلال، وإذا لم يكن إعدام الزعيم صدام حسين جريمة يندي لها الجبين يوم عيد المسلمين، فان الجريمة الأكبر منها أن تبقي شعوب الأمة صامتة، والجريمة الأكبر منها أن لا يستفاد من الدروس القاسية التي تلقتها الأمة مراراً وتكراراً لتحدث فعلاً جدياً وجديداً عوضاً عن ردات الفعل، والجريمة الأكبر أن يبقي الساسة والمفكرون يعملون بنفس الوتيرة من الهدوء وكأن ما يجري في المنطقة العربية هو حادثة غرق عبّارة مصرية في البحر الأحمر، أو احتراق خيمة للحجاج المسلمين في مكة، أو اعتقال نواب في البرلمان الأردني قدّما واجب العزاء بعد مقتل "أبو مصعب الزرقاوي" .

إنها حرب بل حروب طائفية وسياسية قادمة إن لم يتم تداركها، إنها دماء الآلاف إن لم يكن الملايين إذا لم يتم حقنها، إنها مرحلة ظلامية بكل معني الكلمة إن لم تشعل القناديل وترسخ فيها القيم وأفكار التسامح والتنوير، إنها مرحلة جديدة من العبودية الطويلة والنار المستعرة التي لن تترك احداً إلا وتأتي عليه.

لقد بات ضرورياً أن يخرج كل العقلاء وعلماء الدين ومحترفي السياسة مع أحزابهم وقادة العمل النقابي وطلاب الجامعات مع كل المخلصين في كل الأقطار والعواصم، يخرج كل هؤلاء بحثاً وعملاً لصد الأخطار وتوحيد الجهود والجبهات، نحو جهد واحد وجبهة واحدة عنوانها جبهة عريضة للصمود والتصدي والتغيير، تجنب العالمين العربي والإسلامي حالة الفرقة والاقتتال، وتجنبه ويلات الاحتلال وأذناب الاحتلال وتتبني مشروع نهضوي استراتيجي ينقل الجميع إلي مستقبل مشرق تصان فيه كرامة الإنسان العربي والمسلم وتصان حقوقه وتسمع كلمته وتبني حضارته ويستفاد من عناصر قوته. الشعوب محتقنة وجاهزة للتحرك، والفرصة سانحة لأي فعل مبادر وأي قائد حقيقي يدير دفة الجماهير ويوجهها إلي التغيير المنشود ويبعدها عن أخطار اننزلاقات الفتنة الطائفية والسياسية وسياسات التضليل، لا تنتظروا الحكام فقد حكم عليهم الزمن والتجربة، فهل من طليعة ثورية وهل من مبادرين؟

mahadyma@hotmail.com - مفتاح 4/1/2007 -