كمن ينقل بشرى أو يزف خبرا سعيدا أعلن الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه إسماعيل هنية عن التوصل لاتفاق على الـمحددات السياسية التي تشكل الأساس لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية أو الحكومة الائتلافية التي طال انتظارها، منذ أن تعمقت الأزمة السياسية داخليا وخارجيا وأصبح الحصار الاقتصادي أكثر مما كان متوقعا والعزلة السياسية باتت تهدد مكانة القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني لشعب يريد الحرية والاستقلال لتعود للوراء إلى أيام النكبة كقضية إغاثية وإنسانية.

وان كنا لسنا بصدد تحميل الـمسؤوليات الآن عن الـمسبب لهذا التأخير بالتوصل إلى هذه القناعة السياسية التي تشكل الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه الحكومة الائتلافية الفلسطينية، لان مجرد الدخول في ذلك سيعيدنا إلى الـمربع الأول الذي تتجاذبه الاتهامات والاتهامات الـمضادة، فإن الدرس الـمستخلص هو أن لغة الحوار هي اللغة التي يجب أن تسود في حل إشكالياتنا الداخلية وان أية محاولة للانقلاب على مكونات وأسس النظام السياسي الفلسطيني بتوظيف الوسائل الديمقراطية بالأغلبية العددية أو العنفية لن تقود سوى إلى مزيد من تأزيم الـموقف الداخلي وزيادة ثمن الفاتورة الخارجية.

إن ما يعنينا الآن ويعني شعبنا الذي أكلت الأزمة من أطرافه وكادت تفاعلاتها تودي بأسس وركائز الـمقومات الاجتماعية والبنيوية التي كانت الأساس الـمكون لصمود الـمجتمع الفلسطيني خلال سنوات نضاله الطويل، بل إن جل ما يريده شعبنا وهو يستقبل هذه الأخبار السارة متى سيتم فك الحصار الاقتصادي والخروج من الأزمة الخانقة التي نعيش، وهذا الأمر وان حمل طابعا استعجاليا من الناس الذين اكتووا بنار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فإن له ما يبرره من التجربة السابقة وخصوصا بعد التوقيع بالأحرف الاولى على وثيقة الوفاق الوطني في حزيران الـماضي، واستبشار الناس بأن الحل أصبح بمتناول اليد إلى أن جاءت جملة من الـمتغيرات التي قلبت كل الـمعايير التي راهن الجميع عليها، ويمكن الاستنتاج من التجربة السابقة أن عوامل الضغط الـمجتمعية والسياسية بما في ذلك التلويح بالاستفتاء على وثيقة الأسرى كانت وراء التوقيع عليها، كما أن الـمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية بعد العدوان على لبنان والتداعيات السياسية الناجمة عنها علاوة على الإضراب الـمفتوح الذي يخوضه موظفو الخدمة العامة في مؤسسات ووزارات السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها موظفو قطاعي الصحة والتعليم أيضا كانت من مكونات الضغوط التي أسهمت في التوصل إلى هذا الإعلان الذي طال انتظاره.

لكن الإعلان بحد ذاته رغم أهميته لا يمكن أن يشكل تطمينا أكيدا لقرب التوصل لهذه الحكومة الـموعودة ما لـم يقترن الإعلان بجملة من الآليات التي تعزز القناعة بأننا فعلا ماضون في هذه السبيل، وعلى رأس ذلك إعلان الرئيس حل الحكومة الحالية وإعادة تكليف من يكلفه سواء أكان الأستاذ إسماعيل هنية أم غيره، ومعنى ذلك أن تشكيل الحكومة انتقل من الجانب الإعلاني إلى الجانب العملياتي الـمتصل بمواعيد دستورية وبجداول زمنية ملزمة، وما يثير القلق فعلا بعد هذا الإعلان ما تردد عن الناطق باسم الحكومة د. حمد في مؤتمر صحافي عقده في مدينة غزة أنه (لا يوجد موعد محدد لتشكيل الحكومة لان الامر بحاجة إلى بحث ومفاوضات بين القوى و الفصائل)، كما كان قد سبقه الناطق باسم حركة حماس السيد أبو زهري بأن (الإعلان عن تشكيل الحكومة سيتم بعد إطلاق سراح النواب والوزراء الـمختطفين). هذه اللغة الـمستخدمة بعد ساعات قليلة من الإعلان التفاؤلي عن الاتفاق لتشكيل الحكومة بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء يعيدنا فعليا إلى الـمحددات التي كان قد طرحها السيد هنية قبل عدة أسابيع ولكن هذه الـمرة بلسان غيره.

غير أن هذه التخوفات الـمشروعة التي نبديها لا يمكن فصلها عن حرصنا الشديد على تشكيل هذه الحكومة بأسرع وقت ممكن وعلى أرضية برنامج سياسي واضح وملـموس ويستجيب للغة السياسية الواقعية التي تسمي الأشياء بمسمياتها، وتشكل فعليا الـمخرج من حالة الحصار والعزلة السياسية، وتوفر بنفس الوقت الـمناخ الـمواتي لشراكة سياسية حقيقية بين مكونات الطيف السياسي الفلسطيني على قاعدة هذا البرنامج ولتجنيد أوسع ما يمكن من الأصدقاء في العالـم من اجل استعادة مكانة القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية. إن اللغة الـملتبسة التي ما زالت تستخدم حتى بعد الإعلان عن الاتفاق عن الـمحددات السياسية لتشكيلة الحكومة سوف تشكل مصدرا آخر للقلق الـمشروع أن تواجه تشكيلة الحكومة أزمة عدم الاتفاق على الجوانب الـملـموسة في برنامجها كخطة سياسية للتحرك على كافة الـمستويات العربية والدولية، وبما يمكن في ظل الأجواء والـمناخات الدولية والعربية بما في ذلك التصريحات الإسرائيلية الناجمة عن الأزمة الداخلية من إمكانية استعادة الـمسار السياسي كبديل عن مسار القتل والإرهاب والإغلاق والحصار.

كما أن من مصادر القلق الـمشروعة أيضا التي يخشى أن تشكل عقبة جدية عند بحث تفاصيل تشكيلة الحكومة تلك الـمتصلة بتركيبتها وبعدد الـمقاعد لكل طرف وتوزيع الحقائب وما إلى ذلك من التوازنات والـمحددات التي يسعى كل طرف من الأطراف إلى وضعها على طاولة الـمفاوضات عند البحث الجدي فيها.

إن جملة هذه التخوفات التي أبديت وهي نابعة من الحرص على أن لا تبدد هذه الفرصة الـمتاحة الآن، لان كل يوم نتأخر فيه عن الاتفاق أو إنجاز واجبنا البيتي لا ترتفع فيه الكلفة والثمن الذي ندفعه من حياة ومستقبل أبناء شعبنا فحسب بل إن هذه الكلفة السياسية سوف تكون اكبر وبشروط سياسية مجحفة أكثر. وعليه فإن مشاركة الرئيس أبو مازن وانخراطه الفعال في عملية الحوارات التي ستجرى لتشكيل الحكومة أمر ضروري لضمان السرعة في تشكيلها، ولتذليل العقبات التي قد تعترضها بما في ذلك وقبل كل شيء البدء الفوري بعملية التكليف الرسمي التي تقطع الشك باليقين، وتفتح الـمجال للبحث الجدي بالقضايا الجوهرية الأخرى، بما في ذلك اتساع قاعدة الحكومة السياسية وضمها الكفاءات والخبرات الوطنية ما يشكل احد الضمانات للنجاح في الـمسعى للخروج من الأزمة ولإقناع العالـم وشعبنا أولا أننا فعلا جادون للخروج من الأزمة الذي نعيش.