صار بديهيا في أيامنا الحالية و في ظل ما نعيشه من حصار اقتصادي واجتماعي و سياسي أن يذيع سيط "سوق السبت".
سوق السبت ما هو إلا مرحلة عابرة من الممكن أن تسجل في دفاتر تاريخنا ومن المؤكد أن تبقى طي النسيان.. هو مرحلة جديدة ظهرت قديما ولكن بدأت بالنمو والازدهار في وقتنا الحالي لما يعانيه المساكين وغير المساكين من اختناق مالي... في سياق الحديث عن بنيانه المعماري والهندسي، سوق السبت عبارة عن مجموعة من البسطات والعربات وشبه محال تجارية ... أما البضاعة فهي ما استورده الباعة من "حرامية إسرائيل" أو مما ألقته "سيدات اليهود" لعدم حاجتها له. و قد انتقى التجار لهذه البضائع براند نيم مميز ومتميز "البالة".
ينقسم السوق عدة انقسامات وفقا للبضاعة الموجودة، فهذا محل لبيع أدوات منزلية والآخر يبيع ملابس شتوية أو صيفية .. و"الحج" في تلك الزاوية أو الزاروبة يبيع اللوحات الزيتية .. وحضرته يبيع الأحذية الستاتيه و غيرها الكثير الكثير من ما خطر على بالك و ما لم يخطر من البضائع.
ينطلق الزبائن وغالبا الزبونات إلى السوق مسرعين عند الصباح الباكر إلى مدينة جنين من مختلف القرى المحيطة بها . وسرعان ما تمتلئ شوارعها بمختلف شرائح المجتمع و تأخذ خطى الأغلبية من مكسوري الحال الطريق إلى سوق البالي ،فيزدحم السوق يوم السبت حيث يحضر معظم التجار بضائعهم الجديدة البالية أو المستهلكة ربع أو نصف استهلاك .
في لحظة "افتح يا سوق" تجد الرجال والنساء يتخبط بعضهم ببعضهم الآخر حيث لا تعود هناك حرمة لامرأة أو مهابة لرجل، فالكل يريد أن يحصل على القطعة الأفضل. هناك من يريد أن يشتري سترا شتوية "فالشتا عالأبواب" وأخرى تحتاج أطباق ومفارش لمطبخها وذلك لما سمعته عن "نوعيتها الأصلية و خصوصا لأنهم بيجيبوها من إسرائيل" . و تتبارى أخريات في جلب أطقم الشاي والفناجين الصيني . كما ويجبلن أحذية بقيمة تتراوح أقصاها خمسة شواكل وأدناها اتنين لأولادهن "لولاد بهرو بوات كتيو و بوت التلاتين شيكل بوفيش" . قليلا ما تزور نسوان السوق "الحج" صاحب اللوحات الزيتية فإن بيوتهن لا تحتاج امثل هذه "الخرابيش" وفرحة ولد صغير بلعبة بتسوى كل هالهبل..
كما وتختلف النساء باختلاف البضائع . فمنهن الجريئة التي تقلب البضاعة رأسا على عقب لتجد ما تريد. والأخرى الخجولة التي تكتفي بالنظر من بعيد وهي من تضيع عليها الفرص في الحصول على البضاعة "المنيحة" نوعا ما، و هناك من تجلط البائع من كثر "المفاصلة"، وهناك من تسود السوق لأول مرة فتلتفت عيون أهل السوق حولها كأنها طالبة سنة أولى أو بمفهوم أهل الجامعة "سنفورة" . فتكون سنفورتنا متفاجئة وفي قلبها شيء من الرهبة في البداية ولكن سرعان ما تعتاد وتصبح زبونة أو تترك السوق و لا ترجع أبدا.
هذه بعض الملامح من سوق السبت. ووصفي له على هذه الحال لا يدل على معارضتي لهذه الحالة ولكن محاولة مني لإظهار بعض الملامح التي إن نمت عن شيء فلا تنم إلا عن حال اقتصادي سيء دفع بالغني قبل الفقير لارتياد السوق. كل هذا وبعضه يتضح امرأة أخرى مثلها عن المكان الذي ابتاعت منه أوانيها فتجيب ذاكرة أحد أكبر المتاجر المعروفة في السوق المعروف و لا تتجرا أن تذكر اسم "سوق السبت" .كما و تحاول أخرى عند لبسها قطعة من سوقنا أن تتباهى بها أمام جاراتها وعندما تُسال عن ثمنها تبدأ بالتلاعب معها بقول"احزري" فلا تترك المسكينة الأخرى ما ارتفع و انخفض من الأسعار تقييما للقطعة حتى تخبرها حقيقة السعر الذي يمكن أن لا يتعدى الخمسة شواكل حيث يمكن أن تساوي نفس القطعة ما تزيد قيمته عن الخمسين شيكلا في السوق العادي. استنادا إلى تلك اللعبة "التي تجلط و تعل أحيانا" يمكن أن تقنع الجارة جارتها بأن تكون زبونة من زبائن سوقنا .. كما و هناك الكثيرات اللاتي يتباهين أمام الأخريات بارتياد سوق السبت وذلك لما تجد كل منهن من قدرة في نفسها على التدبير والتوفير "فأبو المية شيكل زي أبو العشرة" .
نهاية ومشروع بداية فإن سوق السبت ما هو إلا تعبيرا عن حال من لا حال لهم، و حاضر يحاول البعض أن يوجده من بقايا و "بالة" الماضي و مستقبل لم تدرك معالمه بعد.