منذ ان تشكل النظام السياسي الفلسطيني ، في إطار م.ت.ف ، بعد المرحلة الانتقالية التي قادها المناضل يحيي حمودة ودامت عدة اشهر، وامن خلالها انتقال سلميا وسلساَ لقيادة المنظمة من بين أيدي قوى طبقية واجتماعية تحملت مسؤولية العمل الوطني الفلسطيني وطبعت المرحلة بطابعها وسماتها الخاصة، وبما ما كان يعرف بالمرحلة الشقيرية، إلى أيدي قوى سياسية واجتماعية جديدة وتعزز بمشاركة القوى السياسية المقاتلة وانخراطها في المنظمة ومؤسساتها ودوائرها.

لقد كان أساس مبنى هذا النظام من بداياته وعلى اعتبار انه يعكس أطارَاَ جبهوياَ عريضاَ بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني الاجتماعية والسياسية ، أي انه منذ بدء تشكله قام على أساس التعددية والشراكة مابين مختلف مكوناته ، والشراكة لم تكن تعكس رؤية المحاصصة والمقاسمة بقدر ما كانت هذه الشراكة تعكس روح الشراكة في المشروع الوطني الفلسطيني المعبر عنه في ميثاق المنظمة ، وفيما بعد في البرنامج السياسي الذي شكل الأساس لوحدة قوى الشعب السياسية . والشراكة كانت وقبل كل شيء شراكة في صنع القرار الوطني الفلسطيني والتوافق عليه ، بصورة او بأخرى رغم التباينات والاجتهادات المختلفة ، إلا ان صنع القرار الوطني الفلسطيني تعزز أكثر ، انطلاقا من الخشية على وحدانية تمثيلية المنظمة للشعب الفلسطيني، والتي كانت قرارات قمة الرباط العربية ابرز تجلياتها، وكذلك القرار الأممي بالاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ومن جهة أخرى فإن الخشية من التدخل الخارجي في التأثير على القرار الوطني وصنعه كان من عوامل تطوير أشكال الشراكة السياسية في إطار المنظمة ومؤسساتها .

غير ان هذه الشراكة لم تكن دوماَ على نفس الوتيرة والمستوى من التفاعل ، بل واجهت انعطافات وصراعات حادة مابين مختلف القوى المؤثرة على صنع القرار الوطني الفلسطيني ، واتسمت أحياناَ كثيرة هذه الصراعات بسمات عنيفة ، إلا أنها لم تصل يوما إلى درجة الانقلاب على النظام السياسي وتغييره ، بل إنها كانت تستهدف التأثير فيه بغية تصويبه وتعديله ، وضمان شراكة أفضل وانسب فيه تبعا لموازيين القوى التي كانت تنشأ في كل مرحلة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني ، بيد ان الشيء المهم والأكيد في تجربة هذه الشراكة إنها كانت قائمة على أساس الاعتراف بشراكة الجميع قوى وأحزابا ومنظمات وشخصيات وطنية وديمقراطية وبصرف النظر عن حجمها ووزنها .

هذه الشراكة كانت تعكس أحياناَ كثيرة أشكالا من المشاركة في الهيئات والمؤسسات وان كان يدور الصراع على طابع هذه المشاركة وحجمها ، والنقد المتواصل عن الهيمنة والتفرد ، غير ان هذه المشاركة كانت تحفظ فيها ادوار للجميع بصرف النظر عن الرضى الكلي او الجزئي عن شكل وطابع هذه المشاركة ، بما في ذلك صياغة أسس المشاركة في السلطة الوطنية الفلسطينية، والذي اتخذ ذات المعايير السابقة مع بعض التعديلات التي طالت هرم المؤسسة السياسية أي الوزارة ، فلم يكن معقولاَ من هو ضد الاتفاقيات الانتقالية المشاركة في الوزارة ، بينما كان الخلاف والاختلاف السياسي لا يمنع من المشاركة في اللجنة التنفيذية ل .م.ت.ف.

هذا المبنى المؤسس على قاعدة الشراكة والمشاركة في النظام السياسي الفلسطيني ظل محكوما على قاعدة فهم متطلبات المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني باعتبارها مرحلة تحرر وطني تستلزم من الجميع الشراكة والمشاركة في صنع واتخاذ القرار ولكن بدون فيتو لأحد على الآخر .

هذه المعادلة التي قام عليها النظام السياسي الفلسطيني تغيرت، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة،ولا يمكن تجاهل حجم القوى السياسية الصاعدة التي يمثلها الإسلام السياسي، ولا توقه للهيمنة او السيطرة او الإحلال مكان القوة الأكبر على صنع القرار في النظام السياسي الفلسطيني،ومن هنا فإن الصراع الذي واكب تشكل الحكومة الفلسطينية العاشرة ، وبالتالي تشكلها من لون سياسي واحد ، وتلكوء حركة حماس بالاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، والتشكيك في شرعية تمثيلها ، ما دامت هي خارجها ورفض الانخراط فيها بدون إجراء تعديلات مسبقة على برنامجها ومبناها ، كل هذا لم يخيف حركة فتح لوحدها فحسب ، بل خلق تخوفات لدى كافة القوى السياسية والاجتماعية الأخرى ، بما فيها بعض القوى السياسية القريبة سياسيا من حركة حماس وكان ذلك عائقا جدياَ في قبولها للمشاركة معها في أول حكومة تشكلها .

هذا لصراع وان أخذ أبعادا عنفية في أحيانا كثيرة كادت تهدد الوحدة المجتمعية والسلم الأهلي للمجتمع الفلسطيني ، دفعت وفي ضوء تناسب القوى الحاصل على الأرض إضافة إلى عوامل إقليمية ودولية إلى التوافق على ما سمي اتفاق مكة.

الذي انتقل بموجبه النظام السياسي من الشراكة مابين أطرافاَ متعددة إلى شراكة ما بين طرفين رئيسيين ، وقد لا يبدوا الأمر استثنائيا في نظام ديمقراطي يقوم على الشراكة السياسية بين قطبيين رئيسيين ، وإنما الخطورة فيه ، انه قد دشن مرحلة جديدة ليس من الشراكة السياسية، وإنما من التشارك والمحاصصة على الوظيفة العمومية التي هي حق لكل المواطنين على أساس الكفاءة أولاَ، وتكافوء الفرص ثانياَ ، لكن الأهم من كل ذلك انه قد شكل بداية لإنهاء تلك التجربة السياسية القائمة على أساس من التعددية السياسية المحكومة بقانون التحرر الوطني ، وجرى القفز إلى النظام السياسي الليبرالي ، بدون إنجاز مهام مرحلة التحرر الوطني .

ان ما يثير التساؤل الآن وفي ضوء الاقتراب من تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، ووفقا لما تم التوافق عليه في مكة من محاصصة ثنائية، وتشكيل حكومة ائتلاف برلماني ضمنت المشاركة فيها، لمن لديهم صفة تمثيلية في المجلس التشريعي بصرف النظر عن الحجوم، هذه المشاركة بدون شك لن تكون معبر حقيقياَ لاعن الشراكة بمعناها المعروف ولا حكومة وحدة وطنية فلسطينية بالمفهوم السياسي العام كما جاء بالبند الرابع لوثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني، بقدر ما تكون تعبير عن هذه المشاركة الانتقائية .

ان ما يثير التساؤل فعلا وقولا هل سيسحب اتفاق مكة نفسه لاحقا على ما يسمى إصلاح وتطوير المنظمة ، وتصبح عملية الإصلاح محاصصة من نوع جديد . هذا ما ننتظر ان نراه بعد الانتهاء من استحقاق الحكومة الفلسطينية الجديدة. - مفتاح 15/3/2007 -