بعد وصوله بالسلامة إلى منزله .. بعد يوم طحيني طاحن .. حط "عمو" الباحث الاجتماعي رحاله علي سريره "عايف حاله " من شدة التعب.... تمدد بحلته الزرقاء المنقوش عليها شعار "الله يحفزها" ال UN .

فاليوم هو يوم توزيع المؤن في تلك البلدة .. و غالبا ما يكون هذا اليوم أشبه بعيد الهي أو حتى عرس ابن شيخ الفلاحين. الكل يذهب رافعا كرت المؤن وساما " فاليوم الله يعزها إلوكالة بدها توزع كمن شوال طحين و قناني زيت مازولا ، و شوية عدس مع فاصوليا بيضا..." فيسرع حاملين الكرت من اللاجئين إلى مكان توزيع المؤن- وغالبا- ما يكون ساحة من ساحات القريةََ \ البلدة الواسعة أو حتى في مقر البلدية حيث يكون بانتظارهم "وجه السعد" صديقنا الباحث الاجتماعي ... واقفا منذ الساعة السابعة و النصف صباحا، لتسليمهم ما حملته إياه الأنوروا من أمانات في عنقه "المسكين" ....

بعد تسليم ما تم شحنه من على موانىء فلسطين العملاقة. .... يتفرق الجميع ما بين راجع إلى بيته أو إلى أحد المحال التجارية "اتفكت أنا و الدكنجي ابيعه الزيتات لإنها مرتي بعد عندها زيت من هديك المرة.." ... و آخر يذهب إلى المخبز ليبيع ما حصل عليه من شوالات طحين .... فقد ارتفع ثمن الكيس حيث كان سعره ما بين 35-45 شيقل و لكن الآن و بعد ارتفاع أسعار الماد التموينية بالمجمل أصبح سعر كيس طحين المؤن يتراوح ما بين 85-100 شيقل تقريبا ... مع الأخذ بعين الاعتبار طبعا بأن هذه التسعيرة الجديدة لطحين الوكالة كما قيل "تسعيرة حكومة" لا يمكن أن يتنازل عنها صاحب الأكياس حتى إذا كان المشتري أخوه أو جاره الفقير "أبو العيال"....

بعد ذلك ... و بعد انتشار خبر توزيع الطحين و المؤن في البلدة .. تبقى البلدة برجالها ونسائها وحتى أطفالها "مطبولة" بالحديث عن ذلك مدة تتراوح إلى موعد تسليم المؤن التالي و هكذا.... كما و تتبارى ربات البيوت ممن حصلن على المؤن وممن اشترينه بالسؤال عن النوعية " و الله الفاصوليا طعمها بشهي ، كإنها فاصوليه بلدية ... و إلا الطحين حيله منيح مش زي هديك المرة بسيخ .. " و ترد عليا جارتها " و الله معك حق، مفش أزكى منه للمعجنات والا خبز الكماج بطلع بشهي...."

كما ويتهافت الجميع على "عمو ابو الفست الزرقا" .... فمنهم من يمدحه و يدعي له بالصحة ودوام العافية. وأخرى تلحق به فهي تريد أن "تسحب كرت مؤن عن دار أبوها" حتى يكون باستطاعتها استلام المؤن "لانه جوزي صرله قاعد سنتين ومش عارفين من وين انطعمي ها لولاد" فيعدها الباحث بزيارتها والسماع بشكل مطول عن قضيتها فمن الممكن مساعدتها....كما و يصادف الباحث موظف حكومي يريد الحصول على كرت، فرواتب الحكومة "واقفة" ولا يملك ما يقيت به عائلته بالرغم من علمه بان الموظف لا يحق له استلام المؤن حتى لو كان بحوزته كرت وكالة.

يستلقي الحزين أمام المروحة الكهربائية "مخبوط راسه من كلام فلان وصراخ علان " .. و بكاء الحاجة التي قطعت قلبه و زيارته لأحد العائلات الفقيرة وما لمسه من أسى سيطر على دماغه وحده، و لم يشارك به أحد سوى نفسه فهذه أسرار المهنة.... يستلقي متجاهلا نداء أمه الطيبة "قوم يما الأكل جاهز... قوم كلك لقمة.." حان موعد الطعام....... ينهض متكاسلا.. يأكل .. ثم ينتقل ثانية إلى السرير ليغط في سبات عميق..

وغدا .... سيكون له موعد آخر مع عائلات أخرى للنظر في إمكانية حصولهم على كرت مؤن أو معونة من شؤون الوكالة.... حتى ينتهي يوما آخر من أيام صديقنا الاجتماعي بدعوة مرفوعة للسماء " الله يرضى عليك ويرزقك بنت الحلال اللي تسعدك و تهنيك " أو دعوة أخرى مرفوعة بحب أكبر " الله يهدك ، إنت دافع من جيبتك يقطع رزقك زي ما قطعت رزقنا.." - مفتاح 30/8/2007 -