شادي العزيز، وصلتني رسائل محبة وتقدير، لك ولرفاقك الأسرى، أنشر اثنتين منها، ضمن "مساحة للحوار"؛ علها تشكِّل نافذة تواصل وتفاعل بين الأسرى والأسرى، ومنبراً جاداً لنقاش القضايا التي تثيرها رسالتك:
"تحياتي، وصلتني مقالتك، التي تتضمن ردك على الأسير "شادي الشرفا"، فكان الرد رائعاً بمضمونه الإنساني والوطني، قمت بتعميمه على الزملاء والزميلات، من أجل بث الأمل في النفوس: إن هناك أناساً ما زالوا يعالجون القضايا، بمضمون إنساني ووطني. مع الشكر، وكل عام وأنت بألف خير، ولنا لقاء".
لمياء شلالدة/ الخليل
"الدكتورة فيحاء عبد الهادي، مع كل التقدير والاحترام الأسير المناضل شادي الشرفا، "يا عباد الشمس" ... قرأت "رسالة اعتذار إلى شادي الشرفا". للحقيقة، إن ما تحويه من كلمات، سواء من شادي أو من د فيحاء، هي قضايا أتت إليَّ كقارئة، كسهم في القلب، بما تحتويه من صور جميلة، وكسهم أشدّ عمقاً إلى العقل، بما تحتويه من عمق في التحليل والرؤية، وأيضاً كسهام أصابت كل جسمي، بما تحويه من ألم مما وصلنا إليه.
ورغم قصر الرسالة والرد؛ إلاّ أنها تحمل في طياتها العديد من القضايا، التي تستدعي الحوار والنقاش، بشكل أوسع. معك حق يا شادي، حين تقول: " لا يشرِّفني أن أكون إنساناً"، فكيف لي أن أكون إنسانياً مع قاتلي وقاتل أهلي؟ كيف لي أن أكون إنساناً مع من يهين إنسانيتي كل يوم؟! أنا وجدت على هذه الأرض إنساناً وافتخر بكرامتي الإنسانية، وفجأة جاء من يتباكى أمام العالم على إنسانيته، ومارس ضدي أبشع ما يقدر الإنسان على ممارسته، فهل أدير له ظهري؟ أو أقطف له وردة أكافئه بها، لكي لا أكون متطرفاً، ولكي أكون إنسانياً؟!
وليعذرني من عرَّف التطرف بأنه فقدان الإنسانية وتشريع القتل، فهو صحيح بالمعنى النظري ولكن عملياً: كيف لي أن أكون وسطي مع عدو الإنسانية؟! أنا لا أشرِّع قتله طالما هو بعيد عن أرضي وعن إنسانيتي؛ ولكني سأشرِّع قتله طالما يهدد وجودي، وهذا هو التناقض النظري في المفاهيم.
أنا كفلسطينية، أعشق الحياة، لذا أموت من أجلها، أعشق الحرية وأسجن من أجلها. يا شادي، فهمنا كفلسطينيين للإنسانية ليس مشوهاً؛ بل هم من عمل على تشويه كل الأشياء وكل المفاهيم، يتحدثون عن حقوق إنسان، وباسمها يحتلون دولاً. وحسب التصنيف التاريخي للدول، هي أكثر عراقة وحضارة من دولتهم.
يتباكون من القمع والتشريد والمجازر، التي مورست بحقهم، ويشردون ويقمعون ويقتلون ويرتكبون مجازر أفظع مما مورس بحقهم.
أحياناً، نقف عاجزين أمام وعينا وأمام مفاهيمنا، حين نريد أن نزاوجها مع ما يطرح، لهذا فإننا نصر على أن نخلق لنا مفاهيمنا الخاصة، ونحن على يقين تام بان إنسانيتنا تعلو إنسانيتهم بدرجات.
فلا يوجد إنسانية أكثر من إنسانية أسير يعاني من ظلام الزنزانة، ومن سوط الجلاد، ويكتب عن الإنسانية، أيوجد أعظم من إنسانية أسير يسامر النجوم ويطيِّر معها سطور الحب والشوق والعشق، لأحبةٍ له خارج جدران الأسر؟! أيوجد أعظم من إنسانية أسير يسترجع ذكرياته، ويستذكر وجوهاً وابتسامات، ولا يتردد في الكتابة لها وعنها؟!
لذلك يا شادي، أختلف معك بأننا نعيش حالة من الإرباك الفكري، ويكون ذلك صحيحاً بحالة واحدة، حين نخضع قيمنا ومفاهيمنا ووعينا الفكري، وما نؤمن به لمعاييرهم ومفاهيمهم وقيمهم المشوهة أصلاً.
وبسبب هذه المفاهيم المشوهة، أصبح الشهداء مجرد أعداد، ونسوا أو تناسوا بان وراء كل شهيد قصة حياة كاملة. أتفق معك يا شادي كلياً في أننا عجزنا عن إدارة قضيتنا أمام العالم، وأصبحنا بعيدين عن إرثنا الثوري الحقيقي، وأصبحنا لا نعمل بصمت؛ بل أصبح هدف عملنا أن نسجل أعلى رقم، ليفيدنا في دعايتنا الانتخابية.
أما قضية دور المرأة الفلسطينية والقوى الديمقراطية العاجزة، والتي فعلاً تحولت إلى نخب، ومارست التصوف بعيداً عن الجماهير، وأصبحت حتى أقل من أن توصف بالنخب؛ لأنها تحولت إلى انتهاج شكليات النخب، وليس عمقها. وعجزت عن التغيير في ذروة قوتها، والآن فهي أقل ما يقال عنها: إنها عاجزة عن كل شيء.
وفي النهاية، دكتورة فيحاء، إن السجن له تعريفات عدة، وتعريفه التقليدي: ذاك السجن الذي يقفل أبوابه عليك بفعل سجان، يتحكم في وقتك ومساحتك وليلك ونهارك، وفي هذا السجن فأنت تقاتل السجان وتحارب من أجل حريتك. أما التعريف الأوسع، فهو ذاك السجن الذي تضع نفسك به، وتكون أنت السجين والسجان، فتكون حبيس المرارة وغبار المرحلة، وتبحث عن مفتاح سجنك الذي لا تجده... إذن فأنت سجين الى الأبد.
ليس للكلام نهاية، بل هو البداية دائماً؛ ولكن أملي أن "نثبِّت أقدامنا بالجذر لكي نتمكن من عناق الشمس". محبتي وتحياتي".
انتصار حمدان/ رام الله
*****
أي شادي، رسالتك زرعت الأمل في نفوس الشابات والشباب، ألم أتساءل في رسالتي إليك: من هم الأسرى؟ أنتم أم نحن؟!ّ ولم تزرع رسالتك أملاً فحسب؛ بل نكأت جراحاً، وأثارت أسئلة عميقة: ما هي الإنسانية؟ ومن هو الإنسان؟ وكيف نعرِّف التطرّف؟ هل نعيش حالة إرباك فكري؟ وإذا كان الأمر كذلك؟ فكيف نخرج من هذه الحالة؟ هل أضحى الشهداء مجرد أعداد؟ وكيف نكرِّمهم فعلاً لا قولاً؟ هل عجزنا عن إدارة قضيتنا عالمياً؟ وماذا عن قضية المرأة؟ هل تحوَّلت إلى قضية نخب بدورها؟ هل "مارسَت التصوّف"، كما وصفتها العزيزة "انتصار" "وأصبحت عاجزة عن كل شيء"؟ أم هي "إعادة التخلف بوسائل مختلفة"، كما وصفتَها؟ وماذا عن دور القوى الديمقراطية؟ هل هي "نخب تحاور بعضها البعض" ولا ترتبط بفعل جماهيري؟ ثم ألا نستطيع التعلم من تجارب الشعوب؟ تجربة أمريكا اللاتينية مثلاً؟ هل عجزنا كقوى تقدمية عن التطور والتجديد حقيقة؟ هل تكلَّسنا وأصبحنا قالباً جامداً؟
أسئلة جارحة صادقة، تحتاج إجابات صادقة وشفافة، تبتعد عن الشعارات، وتسائل الذات قبل مساءلة الآخر.
*****
شادي الشرفا، ويا أسرى الحرية وعشّاقها، سوف ننتظر تحرر الوطن بأكمله من الأسر، حتى يكون للأعياد معنى، وحتى تكون فلسطين بخير.
faihaab@gmail.com - مفتاح 26/12/2007 -