دخلت انتفاضة الاقصى عامها الثامن، ولم يعد يبقى منها سوى عبثها. فهذه الانتفاضة فشلت في تحقيق اهدافها رغم التضحيات العالية جداً التي قدمها الشعب الفلسطيني خلالها، فقد ارتقى في هذه الانتفاضة أكثر من 5 الاف شهيد على رأسهم عدد من ابرز قيادات الشعب الفلسطيني مثل ياسر عرفات، ابو علي مصطفى، احمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، وجرح أكثر من 60 ألف مواطن بينهم 1500 اصيبوا بإعاقات دائمة، واعتقل عشرات الالاف منهم أكثر من 11 الف معتقل لا يزالون رهن الاعتقال. وتكبد الفلسطينيون خسائر فادحة اقتصادية وصلت الى حد الوقوف على حافة الانهيار الاقتصادي الشامل، وانهيار في القيم الوطنية والاجتماعية جراء الشعور العام بالفشل وعدم تحقيق أي هدف من أهداف الانتفاضة، وتفاقم حالة من الفوضى والفلتان الامني التي ادت الى سيطرة العناصر والمليشيات المسلحة على مقاليد الحياة، حيث اصبحت السلطة في اضعف حالاتها، لكن الخسارة الاعظم التي دفعها الشعب الفلسطيني ولا يزال يواصل دفعها تتمثل في الاقتتال والحرب الاهلية والانقلاب الذي ادى الى الانقسام السياسي والجغرافي الذي ينذر استمراره بضياع القضية الوطنية والمشروع الوطني والانسان.

هناك من بيننا من يكابر، ويقول ان الانتفاضة لم تهزم، ولم تفشل، وبرهانه يتمثل في ان الانتفاضة لم تبدأ بمبادرة فلسطينية وانما جاءت رداً على فشل قمة كامب ديفيد عام 0002، وكانت دفاعاً عن النفس في مواجهة العدوان العسكري الشامل الذي شنته اسرائيل بهدف محاولة تحقيق بالقوة ما عجزت حكومة باراك عن تحقيقه على طاولة المفاوضات.

فاسرائيل رغم الخسائر الفادحة التي الحقتها بالفلسطينيين والتي وصلت اضافة الى ما سبق ذكره الى حد تدهور مكانة القضية وتحولها من قضية سياسية الى قضية انسانية، والى حد المزج ما بين المقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال بالارهاب، في وقت يعيش العالم حربا عالمية تقودها الولايات المتحدة الاميركية ضد الارهاب، لم تستطع ان تكسر ارادة الفلسطينيين وتغيير وعيهم، ودفعهم لقبول ما تعرضه عليهم من حلول تصفوية.

ورغم صحة ما سبق، الا انه يعكس جزءاً من الصورة (من الحقيقة)، اما بقية الصورة فتشير الى ان اسرائيل استطاعت خلال هذه الانتفاضة تحقيق عدة أهداف منها مضاعفة الاستيطان وبناء الجدار، جدار الضم والتوسع والفصل العنصري، ومضت بعيدا في تهويد القدس وفصلها عن بقية الاراضي المحتلة عام 7691، وقطعت شوطا واسعا على صعيد فصل الضفة عن غزة، وتقطيع اوصال الضفة الى كانتونات معزولة عن بعضها البعض. كل هذه الوقائع تجري مترافقة مع إمساك اسرائيل زمام المبادرة سياسيا وميدانياً مع غياب الاساس القانوني والسياسي الذي يحكم عملية السلام، والتي ماتت موتا سريرياً، والمفاوضات حيث تراجع سقف المفاوض الفلسطيني، بحيث أغرق تماماً في التفاصيل والتفاوض حول حاجز هنا وحاجز هناك، اطلاق اسير هنا واسير هناك، والكف عن ملاحقة "مطارد" هنا او هناك، كل ذلك في اطار اجراءات تقوم بها اسرائيل تنطلق من عطايا تقدمها حكومة اسرائيل، ولا تستند الى الحقوق والاتفاقات والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. اما قضايا الوضع النهائي فقد ألقيت على قارعة الطريق، لدرجة ان اجتماع الخريف القادم لن يناقشها وانما سيمثل بداية جديدة للمفاوضات. وكأن أكثر من 14 عاما من المفاوضات، منذ التوقيع على اتفاق اوسلو، لم تكن كافية كبداية للمفاوضات. لسنا بحاجة الى بدايات جديدة للمفاوضات وانما الى نهايات واتفاقات نهائية.

ان استمرار عدم وجود قيادة واحدة ولا أهداف واحدة لهذه الانتفاضة ادى ويمكن ان يؤدي أكثر الى ضياع القضية تماماً، وغياب المشروع الوطني وتفاقم حالة احباط المواطن الفلسطيني من قياداته وفصائله واحزابه ومن السلطة وم.ت.ف، لدرجة ان المواطن يتجه أكثر وأكثر للكفر بأي مسمى من مسميات القيادة، وبات يفكر ببدائل اخرى يمكن ان تكون أكثر تقدما ويمكن ان تكون متطرفة وعدمية ومغامرة.

المعركة لم تحسم نهائياً، صحيح، ولكن هذا لا يمنع رؤية أن الخيار الفلسطيني يتراجع، وتتقدم الخيارات الاخرى، والمخطط واضح جداً، فإذا لم توافق القيادة الفلسطينية على ما ستعرضه اسرائيل بعد استكمال مخططاتها الاستيطانية والعنصرية، سيتم المضي في تقطيع اوصال الاراضي المحتلة، ودفع السلطة الى المزيد من الضعف وربما الى الانهيار لتحل محلها سلطات عديدة يتم التعامل معها كل على حدة، ما يفتح الطريق لاحياء الخيارات والبدائل الاخرى والتي تحقق بدرجات مختلفة الخيار الاسرائيلي من الخيار الاردني الى الوصاية المصرية الى التقاسم الوظيفي، الى التهجير الذي يبقى في المخيلة الاسرائيلية رغم أنه غير ممكن الان، ولكنه قد يصبح ممكناً في المستقبل وخصوصاً ان المنطقة تغلي وحبلى باحتمالات وهبوب عواصف عاتية وحروب وتغييرات يمكن ان تغير وجه المنطقة والعالم بأسره. الأمل موجود

هل الطريق مسدود ومغلق تماماً، ولا يوجد بارقة امل؟ لا، بل يوجد هناك أمل وطريق، وهذا الطريق يبدأ اولاً بضرورة توفر الارادة الفلسطينية لبلورة رؤية وطنية استراتيجية هدفها الاول استعادة الاولوية للمشروع الوطني، وتسعى لوضع الخطط وآليات العمل والتحالفات والمراحل واشكال النضال الكفيلة بتحقيق الاهداف الوطنية.

ثانياً: يجب اعطاء اهتمام أساسي بتعزيز الصمود والتواجد البشري الفلسطيني على الارض الفلسطينية، لأن العائق الاكبر الذي يحول دون تحقيق الاهداف الاسرائيلية كاملة، يتمثل بوجود أكثر من 5 ملايين فلسطيني على أرض فلسطين، وبالتالي فان الاهتمام بالانسان الفلسطيني وتلبية احتياجاته وتحسين فرص عمله وظروفه في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اولوية لا تقل أهميتها عن المقاومة بل هي البنية التحتية التي توفر الارضية المناسبة للمقاومة، فلا مقاومة جدية ممكنة اذا كان الانسان الفلسطيني محطماً ومحبطاً وبلا عمل وفي حالة فقر مدقع، ولا يثق بقيادته ومؤسساته، وفي ظل انهيار القيم والاخلاق وسيادة المصالح الفردية والفوضى والفئوية والجهوية والعائلية والفصائلية على المصالح الوطنية.

ثالثا: من دون مقاومة لا يمكن دحر الاحتلال، والمقاومة التي يجب ان تعتمد هي المقاومة المثمرة القادرة على تحقيق الاهداف الوطنية، وليست المقاومة الفردية والعشوائية غير المنسجمة مع موازين القوى وحقائق وخصائص الصراع المحلية والاقليمية والدولية. ان المقاومة الشعبية المترافقة مع رفض التطبيع والمقاطعة بكل اشكالها، والتي تضع كافة عناصر القوة الفلسطينية في مجرى واحد يضغط على عناصر الضعف عند اسرائيل، هي الكفيلة بتغيير الوضع شيئاً فشيئاً وبالتدريج لصالح الشعب الفلسطيني، اما المفاوضات العبثية الجارية بلا نهاية وبلا مرجعية او ضوابط، مثلها مثل بعض اشكال المقاومة العبثية، فمن شأنها صب الماء في طاحونة الاحتلال ومساعدته في تحقيق اهدافه بسرعة أكبر وخسائر أقل.

رابعاً: استعادة التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، واعادتها الى مكانتها السابقة بوصفها قضية تحرر وطني وقضية عادلة وأخلاقية تستند الى القانون الدولي، وفي هذا السياق يمكن التسلح بقرارات الشرعية الدولية والفتوى القانونية التي اصدرتها محكمة لاهاي وايدتها الجمعية العامة للامم المتحدة بخصوص الجدار والتي تناولت الاحتلال وكل ما بني على الاحتلال. خامساً: استعادة البعد العربي والاسلامي للقضية الفلسطينية من دون التفريط ببعدها الوطني، فلقد جرب الشعب الفلسطيني طمس دوره الخاص لصالح الوحدة و القومية العربية ولم ينجح، وجرب الوطنية من دون البعد العربي والاسلامي والدولي ولم ينجح، وعليه ان لا يجرب تجربة اخرى خاطئة بالتركيز على البعد الاسلامي وحده. فالقضية الفلسطينية قضية انسانية تحررية ويمكن ان تحوز على دعم عربي واسلامي وعالمي هائل، مثلما كان في السابق وأكثر مما كان في السابق بكثير.

في الذكرى الاولى والثانية والثالثة للانتفاضة الحالية كنا نعدد انجازاتها أكثر مما نقف امام خسائرها رغم ان الانحدار الى الفخ الاسرائيلي وخوض المعركة عسكرياً كان من المعروف الى اين يمكن ان يصل، فلقد اصبح العالم كله في تلك الفترة يعترف بمبدأ قيام دولة فلسطينية لدرجة ان رؤية بوش تضمنت هذا المبدأ، ومعظم الاحزاب الاسرائيلية اصبحت تقر بمبدأ قيام دولة فلسطينية. وكنا نفخر بالوحدة الميدانية، وحدة الدم التي وحدت كافة افراد الشعب وفي مقدمتها الفصائل رغم اختلاف برامجها السياسية.

وفي الذكرى الرابعة والخامسة والسادسة للانتفاضة، كنا نقول ان الانتفاضة لم تهزم ولم تنتصر، وكنا نجد العزاء لتبرير هذا القول بالخسائر البشرية والاقتصادية والامنية التي كانت تلحق بالاحتلال وبالاتجاه الوحدوي الذي بدأ باعلان القاهرة في اذار 2005 والذي تم تتويجه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية وصولا لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد اتفاق مكة.

اما في الذكرى السابعة، فلا نستطيع ان نكابر او نخفي الحقائق، فالانتفاضة لم تعد حتى تلحق خسائر تذكر بالاحتلال، وفشلت وهي في طريقها للهزيمة الكاملة، اذا لم يسارع الشعب الفلسطيني وقياداته باستخلاص العبر والدورس من هذه الانتفاضة، وأهمها اهمية ان تكون الانتفاضة شعبية والاهداف واحدة والقيادة واحدة؟ فهل نتعظ قبل ان ننعى الانتفاضة او قبل ان ندفنها!! هذا صعب ولكنه ليس مستحيلاً!! Hanimasri267@hotmail.com - الأيام 29/9/2007 -