إذا لم يطرأ أي تغيير ''جوهري''، على جدول أعمال رئيسة الدبلوماسية الأميركية كونداليزا رايس، فإنها ستهبط ''اليوم'' في مطار اللد في زيارتها رقم ''20''، منذ ان تسلمت منصبها كوزيرة للخارجية خلفاً لكولن باول، بعد فوز جورج بوش بولاية ثانية.
كان الجنرال باول قد ''اكتشف'' بعد اربع سنوات من العمل مع ''رئيس الحرب''، الذي تفوّق عليه كرئيس لهيئة اركان الجيوش الأميركية وأحد كبار الضباط الاميركيين الذين حازوا أوسمة، ان مكانه ليس مع فريق المحافظين الجدد، الذي الحق به (باول) عاراً لن يتخلص منه سريعاً، حتى بعد اعتذاره العلني وهو وقوفه عشية غزو العراق في قاعة مجلس الامن مزوداً بالبروجكترات والخرائط التي تتحدث عن معامل كيماوية وبيولوجية عراقية متنقلة ومحمولة على شاحنات متحركة باستمرار.
بدا خلالها الجنرال الذي كان قاب قوسين أو ادنى، من الترشح لرئاسة الولايات المتحدة كأول ''اسود'' في التاريخ الاميركي، يترشح لهذا المنصب، لكنه لم ير في نفسه ''النضوج'' الذي يؤهله لهذه الخطوة وشاءت الاقدار أو اللعبة الديمقراطية الأميركية، أو الدوائر الضيقة للمحافل السرية التي تصنع الرؤساء وتشن الحروب وتشعل الحرائق وتفتعل الازمات، أن يأتي باراك اوباما بعد ثماني سنوات ليكون هو ''الاسود'' الاول الذي قد يجلس في البيت الابيض..
المهم..
تصل كونداليزا رايس الى القدس (..) ورام الله، خالية الوفاض لا تحمل شيئاً سوى ''الكلمات'' والتصريحات فارغة المضمون، التي دأبت على نثرها هنا وهناك، دون ان تتخذ او تهدد باتخاذ أي خطوة ميدانية تضع حداً لصلف اسرائيل وعربدتها المتمادية بل ودون ان تحاول انقاذ بعض ماء وجه رئيسها الذي انتفخت اوداجه وبدا مزهواً كالطاووس وهو يفتتح مؤتمر انابوليس قبل تسعة اشهر (20071127) ومتفاخراً بالانجاز، الذي حققه عندما ''ساق'' ممثلي 43 دولة ومنظمة دولية، شكّل العرب النسبة الاكبر منه (وهو الهدف الرئيس لهذا اللقاء الذي تم في حرم اشهر اكاديمية بحرية اميركية) لتكريس التطبيع مع العرب، قبل ان يتحقق السلام وحتى قبل ان تبدي اسرائيل أي نية او رغبة باظهار أي نوع من حسن النية عبر ازالة المستوطنات العشوائية (الاعلام العربي لا يجد حرجاً في وصفها بأنها غير شرعية، وكأني به يعترف او يريد من الشعوب العربية ان تعترف، بأن المستوطنات الاخرى شرعية وقانونية لأنها اقيمت بمصادقة حكومات اسرائيل المتعاقبة فيما كل قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي واتفاقية جنيف وشرعة حقوق الانسان والمنظمات والهيئات الاقليمية والدولية لا تعترف بها وتراها باطلة وكأنها لم تكن''..
لماذا الحديث عن انابوليس الآن؟.
ربما يكون من السذاجة التذكير بأنابوليس بعد ان شبع موتاً وبعد ان تخلى عنه اصحابه، لكن هناك في السلطة الفلسطينية من لا يمل التذكير به، وخصوصاً رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير، الذي لا يتوقف عن الاشارة الى انابوليس وتعهدات(...) اولمرت وقبل كل شيء ''الاتفاق''، الذي تعهد الطرفان (الفلسطيني والاسرائيلي)، بالتوصل اليه قبل نهاية العام الجاري، والذي يزعم الفلسطينيون ان شيئاً (حول أي موضوع) لم يتم التوصل اليه، فيما لا يجد الاسرائيليون حرجاً وعلى مستوى رسمي رفيع، مباشرة أو عبر التسريب لوسائل الاعلام من القول انه تم التوصل اليه وأن ما تبقى منه انما ينحصر حول موضوعات يمكن ان تأخذ طريقها الى التأجيل (القدس دائماً)، حتى لا تنهار حكومة اولمرت او تصل المفاوضات الى طريق مسدود؟.
''حكاية'' الاتفاق الذي روج له الاسرائيليون والتي تتحدث عن ''عرض'' اسرائيلي بارجاع 93% من اراضي الضفة الغربية (طبعاً الحسبة هذه لا تشمل القدس الكبرى ولا الكتل الاستيطانية الثلاث في الشمال والوسط والجنوب)، لا تنطلق من فراغ، بل إن فيها اساساً واضحاً يمكن استشفافه ليس من النفي الفلسطيني الخجول والمرتبك وانما ايضاً من قول الاسرائيليين أن الفلسطينيين ابدوا تنازلاً جوهرياً في مسائل عديدة وبخاصة اللاجئين، وينقلون عن الرئيس الفلسطيني عبارة ذات مدلولات خطيرة ''انا لا استطيع ان اطلب من الاسرائيليين اعادة خمسة ملايين لاجئ الى اسرائيل لان ذلك يعني نهاية هذه الدولة، كما انني لا استطيع ان أقول للاجئين ان اسرائيل لن تقبل اعادة أي لاجئ اليها''.
هي إذا مقايضة في الحدود الدنيا والتي تقوم في الدرجة الاولى على معادلة ''الاسباب الانسانية'' ولن يقبل الاسرائيليون تحت أي ظرف، كما قالوا علنا وعلى طاولة المفاوضات، أن تكون عودة العدد المتواضع من اللاجئين (20 الفاً على مدى عشر سنوات) تحت يافطة جمع شمل الأُسَرْ، أو الاعتراف بالمسؤولية القانونية او السياسية او الاخلاقية عن مشكلة اللاجئين.
ابتعدنا عن جولة رايس؟.
بالتأكيد لا، فالجدل الدائر حول ''العرض الاسرائيلي'' الذي هو أقل تواضعاً بكثير مما عرضه باراك على ياسر عرفات في كامب ديفيد وطابا، ما يزال محتدما وهو اتفاق رف، يطبق فوراً كل ما هو لصالح اسرائيل، فيما يبقى ما يخص الفلسطينيين مرهوناً اولاً باستعادة سيطرة السلطة على قطاع غزة ثم باثبات السلطة ''جدارتها'' بالقيام بمسؤولياتها وقبل كل شيء سيتم وفق اجندة زمنية (كاختبار طبعاً).
رايس المصابة بخيبة أمل ونكسات سياسية ودبلوماسية متتالية منذ حرب تموز 2006 على لبنان وفي العراق وفلسطين ومرة اخرى في لبنان (7 ايار) وافغانستان واخيراً في جورجيا.. تبدو قادمة في زيارة وداعية، ولن يكون لزيارتها هذه، أي اثر سياسي او تأثير في مجريات الأمور فاولمرت فقد مستقبله السياسي ومحمود عباس لا يبدو في وضع افضل، وحماس تعيش ازمة مزدوجة افقية وعامودية لا يبدو في الافق انها ستتمكن من تجاوزها.
لا بأس اذاً من تجميد الاوضاع أو ضخ المزيد من الوعود الأميركية الكاذبة، بانتظار حدوث ''انهيار'' ما في ''جبهة'' ما.
عن صحيفة الرأي الاردنية