يحاول وزير الحرب الاسرائيلي إيهود باراك البقاء في الصورة في ظل التأزم المزدوج الذي تواجهه اسرائيل هذه الأيام والمتمثل في التعقيدات التي تواجه تشكيل حكومة جديدة بدولة الاحتلال، الأمر الذي تتجاذبه عوامل عديدة أهمها أطماع أجنحة الاحزاب المتطرفة وسعيها للحفاظ على مكتسباتها وعوائدها المالية المهددة بسبب الأزمات التي تحيق بالدول الداعمة لاسرائيل.
أما الوجه الآخر من هذه التعقيدات فهو تراجع الدعم الخارجي السياسي في الأساس لمسيرة التضليل الاسرائيلية بإعتبار أن الأزمات التي تجتاح العالم تطرح مطالب بالشفافية تقتضي أن يواجه داعموا اسرائيل حقيقة أنهم يدعمون دولة معتدية يحكمها حفنة من المتطرفين الذين يرون أن السبيل الوحيد لبقائهم هو استمرار صراع الشرق الاوسط على حاله إلم يمكنهم حفز هذا الصراع والزيادة في اشتعاله.
لكن تبقى لدى اسرائيل مشكلة التماس الذرائع لتبرير هذا الموقف امام الآخرين فتارة يطلقون ذريعة الأمن واخرى يطلقون ذريعة التوتر على الساحة الفلسطينية بين الفصائل على وجه الخصوص، اما الذريعة الاكثر استهلاكاً فهي أن الفلسطينيين ليسوا ناضجين بشكل كاف للقبول بتنازلات صعبة حسبما ردد أمس وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك، بعد أن قد صرح في مناسبات سابقة أنه من الممكن أن تنظر اسرائيل في مسألة قبولها للمبادرة العربية التي تم اعتمادها في القمة العربية ببيروت عام 2002.
والحقيقة انه امر يثير الدهشة ذلك الإصرار على تصدير العجز السياسي إلى خارج اسرائيل، وخاصة إلى الساحة الفلسطينية فالقادة الفلسطينيون الذين يصفهم باراك بالعجز بادروا إلى المساهمة في كل منتدى أو مؤتمر أو قمة للبحث عن حل للصراع العربي الاسرائيلي وقدموا الكثير من بوادر حسن النية والرغبة في السلام، فكيف يمكن وصفهم بالعجز بهذه البساطة بينما تعيش اسرائيل حالياً بلا حكومة وبلا رؤية واضحة للسلام وبلا شعور داخلي أنه من الممكن أن يكون للسلام قيمة أصلاً في حياة الاسرائيليين.
لقد اثبت الفلسطينيون خلال مختلف مراحل المفاوضات من أوسلو وحتى آخر لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وايهود اولمرت رئيس الوزراء (المستقيل) انهم أهل لحمل الأمانة، ولا يزالون يناضلون من اجل عدم الانصياع لموكب الإفك والتشكيك الذي آخره تصريح باراك أمس، ورغم انه كلام عفا عليه الزمن وتجاوزته الأحداث بعد نجاح عباس في المضي قدماً بملفات التفاوض نحو الأهداف العليا للشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت إعطاء الدلالات على الاستعداد الفلسطيني لضمان أمن اسرائيل.
وبعد كسب ثقة المنظومة الدولية مما شكل مزيداً من الضغوط العالمية على اسرائيل لتقديم تنازلات حقيقية أولها وقف الاستيطان والعدوان ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني واحترام التعهدات التي ما زالت اسرائيل تتهرب منها عبر أكاذيب (النضج) الذي تدعيه لنفسها وتنفيه عن شركائها في الحوار.
عن صحيفة الوطن العمانية