نتوقف هذه الأيام أمام الذكرى الخامسة لرحيل مفجر الثورة وقائد مسيرتنا الوطنية و الكفاحية القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات ، رمز الشهادة والشهداء، ورمز القادة العظماء بالتاريخ المعاصر ، رمز شعب ثورة المستحيل والذي لا زال يقدم التضحيات تلو التضحيات مصمما على نيل حقوقه وانجاز استقلاله الوطني وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
تمر علينا الذكرى الخامسة ونحن نعيش واقعا مرا وقاسيا ومربكا في ظل أوضاع داخلية هي الأسوأ بتاريخنا الوطني نتيجة حالة الانقسام السياسي والجغرافي ، وواقع معادلة دولية لا زالت غير قادرة على لجم هذه الحكومة اليمنية المتطرفة ، كما حالة الضعف العربي والصراع الإقليمي وتغذية بذور الفتنة والانقسام والذي تقوده إيران في اليمن بدعم الحوثيين . حساسية الواقع وهذا المنعطف التاريخي ومفترق الطرق ... الذي يتطلب منا أن نحدد الاتجاه ، وان نعد له بوحدتنا والالتفاف حول قيادتنا برئاسة الرئيس محمود عباس وعدم القبول بعدم ترشحه لرئاسة ثانية برغم تفهمنا للأسباب التي أوجبت هذا الموقف ، لكننا نرى ونحن بالذكرى الخامسة للشهيد الخالد الرئيس ياسر عرفات أن الموقف الإسرائيلي وسياسة المماطلة والتسويف وعدم الالتزام بالاتفاقيات منذ سنوات ، كما أن الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل لا زال مستمرا ومتواصلا برغم التغير الجزئي من حيث الأسلوب والمضمون منذ رؤية الرئيس بوش لرؤية الدولتين وحتى المرحلة الحالية في عهد الرئيس أوباما المتمسك برؤية حل الدولتين وأن الأمن الإسرائيلي لن يتحقق على حساب الحقوق والمعاناة للشعب الفلسطيني وأن كافة الأراضي التي أحتلت بالعام( 67 )هي أراضي محتلة وليس كما تحاول إسرائيل أن تجعلها أراضي (متنازع عليها) وهذا ما يخالف قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة ومبدأ الأرض مقابل السلام .
الذكرى الخامسة لاستشهاد زعيمنا وقائدنا ياسر عرفات كفيلة بأن نجمع ما لدينا من مخزون الذاكرة وما امتلكنا من موروثنا النضالي للوصول إلى مرحلة استخلاصات التجربة والاستفادة من الأخطاء وتراكم الايجابيات حتى لا نضل الطريق ، وأن نصوب المسار ، وأن نجتمع على إرادة واحدة وبرنامج موحد ، لا أن نبقى حسب الرياح والتصريحات والمنافسات الحزبية الإسرائيلية وبالوناتها التي تعمق من حالة الانقسام وتظهرنا دون موقف موحد وبرنامج سياسي نسعى لتحقيقه عبر المسار التفاوضي وهذا ما كان واضحا في مشروع موفاز الساعي لزعامة كاديما وبذات الوقت الذي يحاول أن يعكر أجواء نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف كما يسعى إلى وضع باراك في مربع اليمين المتطرف وبالتالي إنهاء حزب العمل واستمرار تراجعه ، لعبة حزبية إسرائيلية كان يدركها قائدنا الخالد الشهيد ياسر عرفات ، كما يتفهم أهدافها الرئيس محمود عباس ومخاطر الوقوع بشرك السياسة الإسرائيلية وبالوناتها في ظل ما يجري من استعدادات عسكرية وحشد إعلامي وسياسي لتوجيه ضربات أشد قسوة .
أن نكون قد وصلنا لمرحلة استخلاصات التجربة ما قبل استشهاد قائدنا ياسر عرفات ومرحلة الامتداد النضالي والاشتباك السياسي والتفاوضي في عهد قائدنا الرئيس (محمود عباس) وما بين المرحلتين وامتدادهما التاريخي والنضالي في ظل المواقف الثابتة القائمة على الثوابت الوطنية وخيار سلام الشجعان واعتماد سياسة التحرك بكافة الاتجاهات دون الانتظار والترقب والتصيد والتنظير والخروج من دائرة المواقف التقليدية والشعاراتية من لإحداث الاختراق في جدار الصمت والحصار وحالة الجمود ونقل القضية إلى واقع الفعل والتفاعل وإحداث نقلة نوعية في خياراتنا السياسية من الدولة ثنائية القومية إلى إمكانية إعلان دولة فلسطين على أرض الواقع وطرح القضية أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن إذا ما استمر موقف حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة التي تعمل على المحافظة على ائتلافها على حساب عملية السلام والأمن والاستقرار الإقليمي والدولي .
مرحلة الشهيد القائد ياسر عرفات مليئة بالكفاح والمواقف البطولية والانجازات السياسية والتي يطول الشرح والتفصيل فيها ولكنها بمجملها قد نقلت القضية الفلسطينية إلى المستوى الذي يؤهل شعبنا إلى إقامة دولته الفلسطينية المستقلة من خلال النهوض بمؤسسات السلطة الوطنية وتعزيز مكانتها وإحداث التطوير النوعي بالعمل المؤسساتي لتعزيز مقوماتنا الاقتصادية والتي تصب في واقع صمودنا السياسي والتفاوضي وفرض إرادة شعبنا من خلال دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية .
مرحلة شهيدنا وقائدنا ياسر عرفات قائد أطول ثورة في التاريخ المعاصر والذي تميز بصفات القائد الشجاع ، صفات القائد المحنك والقادر على قراءة معادلة السياسة الدولية ، قيادة صادقة وأمينة أثبتت مصداقيتها وأمانتها وحرصها بواقع التجربة العملية وأمام الملايين من الشاهدين والمتابعين ، قيادة حكيمة لا تقبل بالمجازفة وفق حسابات خاطئة ولا تقر بل تحرم الانتحار السياسي والمواقف العدمية .
ونحن بالذكرى الخامسة لاستشهاد قائدنا ورمزنا ياسر عرفات نقدر شجاعته السياسية كما نقر بمسيرته الكفاحية ، مسيرة نضال طويل ومنذ عقود طويلة لإيمانه بعدالة القضية وقدرات شعبه على الصمود والتحدي والنضال من أجل التحرير والعودة وحق تقرير المصير .
قائد مؤمن بشعبه وقضيته كما إيمان شعبه بقيادته وشجاعته وحكمته وخياراته المحكومة بمعادلات سياسية وليس بمواقف عنترية شعاراتية مما أكسب شهيدنا القائد ثقة شعبه ومحبته ، كما أكسبه احترام العالم بأسره شرقه وغربه شماله وجنوبه .
لنا الحق كل الحق أن نفخر بقائدنا وزعيمنا ورمزنا ياسر عرفات الذي استشهد بعد حصار طويل ، حتى يتمكنوا من انتزاع تنازل أو تفريط عن أي ثابت من الثوابت الوطنية ، حتى وصل مدفع الدبابة الإسرائيلية إلى كوفيته السمراء ، كوفية الفتح ، كوفية فلسطين ،بكل فصائلها ومناضليها وأبناء شعبها .... لم يستسلم ياسر عرفات .... بل أثبت للجميع أنه يشكل أسطورة الزعيم الصامد الذي لا يمكن أن يتنازل حتى وان كان الثمن حياته نعم .... من حقنا أن نفخر وأن نتفاخر أمام الأمم أن زعيمنا قد قتل شهيدا لأنه متمسك بالثوابت الوطنية وحقوق شعبه كما هو مؤمن بشعبه وقدرته على مواصلة النضال بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح قائدة وحامية المشروع الوطني والمتمسكة باستقلالية القرار الوطني والمؤمنة بقدرة شعبنا على مواصلة صموده ونضاله.
هكذا كان إيمان وعقيدة شهيدنا ورمزنا الرئيس الخالد ياسر عرفات .... كما هو إيمان وعقيدة قائدنا الرئيس محمود عباس المتمسك بما تمسك به شهيدنا الرئيس عرفات .... والمؤمن بإيمان شهيدنا ورمزنا ياسر عرفات .
الدولة الفلسطينية التي أرادها شهيدنا الخالد ياسر عرفات.... هي ذات الدولة التي يريدها الرئيس محمود عباس كما يريدها كل فلسطيني... وكان الرئيس محمود عباس قد قال في خطابه الأخير بعدم ترشحه لمرة ثانية ... وكأن الرئيس عباس قد أراد أن يوصل رسالة متعددة الاتجاهات ومن بينها رسالة هامة دون أن يقول كلماتها .... "إن من قتلوك يا أخي أبا عمار... يحاولون قتلي ... فهم قد أحيوك بداخلنا وبداخل الملايين .... لأنهم لازالوا يتجاهلون ويجهلون قدرات شعبنا وخياراته المتعددة... كما لا زالوا يراهنون خاسرين أن فينا وبيننا من يفرط بذرة تراب ... ومن يمكن أن يتنازل عن ثابت من الثوابت الوطنية المعمدة بدماء عشرات ألاف الشهداء والأسرى والجرحى والملايين من أبناء شعب فلسطين الذين يقفون اليوم إحياء للذكرى وتأكيد على التفافهم حول قائدهم الرئيس محمود عباس
ويبقى السؤال مطروحا حول ازدياد شعبية الرئيس عباس وحركة فتح ... فلماذا برأيكم ؟؟!!!هذا عنوان مقالتي القادمة.
* مذيعة بتلفزيون فلسطين