لا ندري لماذا انبهر الجميع بقضية الاتفاق على مرجعية مؤقتة لمنظمة التحرير الفلسطينية في الجولة الأخيرة من الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة، فانبرت الأقلام، واستعدت الفضائيات جيداً، وكتبت الصحف والمواقع واعتبره الجميع "اختراقا" مهماً تم تحقيقه في هذا الأمر، بينما الأمور الأخرى لا زالت معلقة، لا بل وعلقوا الحوار لأسابيع قادمة، أي منتصف أيار القادم ليلتقوا مجدداً في انتظار "اختراق" جديد وتمديد باقي القضايا لأسابيع أخرى على ما يبدو.

قيل لنا أن الجلسة الرئيسية استمرت لثلاث ساعات تم خلالها مناقشة موضوع المرجعية مثار الحديث، وخرج وفد حماس للتشاور وعاد بهذا "الاختراق" على ما يبدو، وليعلن بعدها الزهار تأجيل الحوار إلى منتصف أيار، فهو نفسه من قال "أن هذه الجولة لن تكون الحاسمة حتى وان استمرت الخلافات بين الأطراف المتحاورة"، ليبدو الأمر وأنه قرار من طرف حماس بعدم حسم الأمور هذه الجولة، وإنما انتظار شيء ما من طرف ما لإعطاء الضوء الأخضر، لكنه هذه المرة كان أحمر!

إذاً، وطالما أنه هناك المزيد من القضايا الأكثر حساسية لم تحسم بعد، ويتم تأجيلها بهذه الطريقة الغريبة، وكأن الأمر يستوعب المزيد من المماطلة، فإنه وبلا شك لا وجود لنية حقيقية لإنهاء الانقسام، وقلنا ذلك سابقاً، وما يوضح الأمر بعدم وجود النوايا الحقيقية هو استمرار التراشق الإعلامي بغض النظر عن حدته، واستمرار عمليات التخوين وتفسير الكلمات كل بحسب مصالحه، وهو أمر بات مكشوفاً للجمهور وللرأي العام، ولم يعد ينطلي على أحد.

لسنا غاضبين من طرف دون آخر، فما يغضبنا هو عدم الاتفاق، أو عدم القدرة على الاتفاق، أو عدم وجود نية للاتفاق، أو عدم وجود أوامر بالاتفاق، وبالتالي لن يحدث اتفاق، وما يقلقنا أكثر أنه وإن حصل مثل هذا الاتفاق أن يكون شكلياً فقط، لإدخال أموال أو إعادة الأعمار، ما يعني تسيير مصالح، وإن تضاربت المصالح في مرحلة ما، نجد أنفسنا أمام انفجار جديد، وخلال وقت قريب جداً، أقرب مما يتصور البعض.

لم نعد ندري ما هو الاختراق الذي ننتظره في الجولة القادمة، وهل سيكون اختراق كالذي سبقه؟ أم سيكون هذه المرحلة اختراق حقيقي في اتجاه الاتفاق نهائياً وإعلان المصالحة؟ وأي مصالحة؟ هل ستتنازل حماس بهذه السهولة عن حكمها وسيطرتها على قطاع غزة؟ وهل ستدمج السلطة الوطنية أجهزة حماس في الأجهزة الأمنية؟ وماذا عن الانتخابات؟ وكيف ستشكل الحكومة وما هو شكلها؟ هل كل هذه اختراقات نحن بانتظارها؟ حقيقة لم نعد ندري!

يبدو أننا لا نملك سوى الانتظار، ومتابعة كيف تجذر الانقسام على الأرض، والاستمرار في متابعة التصريحات النارية والاتهامات هنا وهناك، في انتظار الجولة القادمة، أو الاختراق المنتظر، ولا يبدو أننا بتنا نمتلك أي رأي مؤثر، أو حتى الأخذ بوجهة نظرنا نحن أهل البلد، فإمكانهم الاتفاق على ما يريدون بدوننا، ونحن من أعطاهم هذا الحق بقصد أو بدون قصد، لأننا سئمنا كل ما يحدث ونأينا بأنفسنا عن تلك المسئولية المقدسة، أليس كذلك!