مناورات الطوارئ العسكرية، التي بدأتها إسرائيل أمس الأول؛ تشي بأكثر من كونها مجرد محاكاة لحرب. ليس فقط لأنها الأكبر في تاريخها. أو لأنها تشمل الجبهة الداخلية، بكل مؤسساتها المدنية وتجمعاتها السكانية.

بل أيضاً لأنها تأتي على خلفية ووسط ظروف ومعطيات؛ تضعها في خانة التمرين على مواجهة تخطط لها إسرائيل؛ وليس فقط في خانة التحوّط لما قد يطرأ. هي تزعم أن ما أطلقت عليه اسم «نقطة تحوّل 3»، ليس سوى مجرد تدريب احتياطي روتيني.

نتانياهو، المعروف عنه بأنه لا ينطق إلاّ نقيض ما يضمر، سارع إلى القول: بأن «التدريب هو لاختبار مدى جهوزية الجبهة الداخلية وليس موجهاً ضدّ أي دولة في المنطقة».

يكفي أن يكون مثل هذا التطمين صادراً عنه، ليكون مدعاة للتوجس المشروع. وزير دفاعه، باراك، يحاول هو الآخر تمويه الطابع الاستعدادي للمناورات والتقليل من أهميتها، من هذه الناحية؛ فيزعم بأنها جاءت من أجل «تحسين وسائل الوقاية في الجبهة الداخلية، في أوقات الطوارئ؛ وأنها كانت على جدول المناورات منذ وقت طويل».

نائب وزير الدفاع، كان إيحاؤه أوضح؛ عندما قال إن الغاية هي إعداد المجتمع لخطر واضح يتمثل «بهجوم صاروخي على إسرائيل، وهو سيناريو واقعي من واجبنا الاستعداد له».

والمعلوم أن التدريبات المقرر استمرارها لخمسة أيام، تقوم على أساس عدة سيناريوهات؛ تتداخل فيها الحرب على أكثر من جبهة. كما من المقرر أن تشارك في العمليات سائر السلطات المحلية، في كافة المناطق الإسرائيلية؛ وأن تشمل مختلف عمليات الإغاثة والإنقاذ والحماية، في الملاجئ وغيرها. مسرح عمليات عسكرية، في ظلّ حالة حرب طاحنة.

هذا التحضير، كان قد سبقه قبل أشهر؛ مناورات جوية إسرائيلية؛ وصفت يومها بأنها كانت الأوسع والأبعد مسافة ـ فوق المتوسط ـ في تاريخ إسرائيل. كل ذلك رافقه الكثير من الكلام والتكهنات، حول احتمال، أو عدم استبعاد، قيام تل أبيب بمغامرات عسكرية جديدة في المنطقة.

ولا يزال مثل هذا الاحتمال تتردد سيرته، من باب أن حكومة نتانياهو قد تلجأ إليه، بغية خلط الأوراق وفرض تغيير الأولويات في المنطقة؛ للتملّص من التزامات التسوية والتخلّص من مطالبات إدارة الرئيس أوباما، في هذا الخصوص.

في ظلّ الظروف الراهنة، لا يصح الركون لزعم حكومة نتانياهو بأن «مناورة الطوارئ» هي فقط احترازية. بالتأكيد لها أكثر من غاية. وبالتأكيد مطلوب الحذر منها. وبالذات من جانب الطرف الفلسطيني المهدّد أكثر من غيره؛ والمطالب باستنفار وحشد كافة قدراته لمواجهة الأخطار الزاحفة ضدّه، بدلاً من الإصرار على التمادي في نحر الذات.

عن صحيفة البيان الاماراتية