جرياً على عادتها، إسرائيل تريد العصفور وخيطه؛ بالثمن الذي تحدّده هي والشروط المفصّلة على قياساتها. البديل، عودة إلى لغة التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور. تطلب استعادة أسيرها جلعاد شاليط، مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين؛ هي لا تحدّد عددهم فحسب، بل أيضاً ترفقه بلائحة من التعجيزات والمطالب الابتزازية المتراقصة.

كل مرة تطلع بصيغة منها. تمرر تلميحات بالحلحلة، ثم سرعان ما تتراجع عنها؛ لتعود إلى وضع العصي بالدواليب. تراجعت عن عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تنوي الإفراج عنهم. تصرّ على ترحيل أهل الضفة منهم، إلى خارجها. تعتقل حوالي أحد عشر ألف أسير فلسطيني. منهم من قضى عقدين أو ثلاثة في معتقلاتها. لا محاكمة ولا من يحزنون. مقابل أسير واحد لها. تبغي استرداده والاحتفاظ بالمساجين الفلسطينيين، في آن.

مطالبتها باسترجاعه، تريدها مفتوحة، لا خط أحمر في طريقها. أما مطالبة الفلسطينيين بمن قضوا العمر في سجونها، فذلك أمر آخر؛ تعترض سبيله الكثير من الخطوط الحمراء الإسرائيلية.

معادلة، تنذر حكومة أولمرت وتهدّد، بأن عدم الأخذ بها؛ له كلفة عالية: المزيد من التشدّد في الحصار المضروب على غزة، رفع وتيرة القيود على الأسرى الفلسطينيين ومنها تقليص زيارات عائلاتهم لهم؛ مع التهويل بل التهديد المبطن باحتمال تجديد العمليات العسكرية ، على شكل اجتياحات محددة للقطاع.

نفس الأساليب التي لجأت إليها، قبل أسابيع، في التفاوض بشأن التهدئة. كل ما انفتح باب، سارعت إلى سدّ آخر؛ عبر سلسلة من الشروط والمطالب التي أدّت بالنهاية إلى انهيار المحاولة. السيناريو ذاته يتكرر في ملف الأسرى. حرق وقت، لتحقيق غايات أخرى. القاسم المشترك في التخريب الذي مارسته، بما تتقنه من فنون الخداع والمكر؛ في الملفين؛ هو ضبط إيقاع التفاوض على مجريات الأوضاع والمتغيرات في المشهد العام. وبالتحديد مجريات الحوار الفلسطيني. رغم البطء وما يشبه المراوحة في جولاته، حقق هذا الأخير قدراً من الحلحلة، الواعدة بنتائج إيجابية. أو على الأقل بات منفتحاً على مثل هذه الوثبة، التي تنهي حالة الانقسام وتعيد ترتيب البيت الفلسطيني، من جديد.

وهذا ما لا تطيق إسرائيل أن ترى تحقيقه. لذلك ليس صدفة أن تعيد موضوع الأسير إلى دائرة التصعيد والاستفزاز، بحيث يعود الهمّ الأمني إلى الواجهة؛ علّه يطيح بالحوار وبالتالي بالمصالحة الموعودة. خاصة إذا ما دفعت بتهديداتها إلى حيّز الترجمة على الأرض.

إسرائيل تعمل من قضية الأسير، ممراً لرفع درجة البلبلة والتأزم والتفجير. الرد الفلسطيني الناجع والمتاح، يكمن في استعجال الوصول بالحوار إلى غاياته المرجوّة. فرصة من غير المقبول ولا المعقول تفويتها.