مفاوضات غير مباشرة، بشرى البشائر، أربعة شهور كـ"محاولة أخيرة" لإنقاذ عملية السلام، هذا قرار لجنة متابعة المبادرة العربية، وبالطبع لم يكن هناك توقع غير ذلك، فاستراتيجية السلام لدى العرب هي الهدف، وتحقيقه يأتي الآن بشكل غير مباشر، فالمباشر لم يجدي نفعا خلال عشرين عاما، ولكن تكفي أربعة شهور لتجربة الغير مباشر، فلا يعقل أن نكون نحن العرب العقبة أمام الجهود الجدية والحقيقية للراعي الأمريكي للعملية السلمية، مرة أخرى لا نستطيع أن نكون غيرنا، فنحن العرب نحاكي حقيقة وجوهر نظرتنا، تكتيكاتنا واستراتيجياتنا، خططنا وأهدافنا، فالسلام هو هدفنا وتسهيل الجهود لذلك سبيلنا وطريقنا، وبغض النظر عما سبق، فنحن جاهزون دائما للبديل، وبديلنا للسلام هو السلام، وبديلنا للمفاوضات المباشرة هو الغير مباشره.
المشكلة ليست بالقرار العربي، ولكن على ماذا ستجري؟! وما هي مرجعياتها؟!!! فالردود الأمريكية على الأسئلة الفلسطينية لم تكن على مستوى المطلوب، كما صرح بذلك أكثر من مسؤول فلسطيني، و"نتنياهو" حدد متطلبات السلام بقراراته الاخيره بضم بعض الأماكن المقدسة لما يسمى التراث اليهودي وصادق على بناء مئات الوحدات السكنية في نهج الاستيطان المستمر، بل تبجح بان الفلسطينيين رفعوا سقفهم في الفترة الأخيرة، وهذا هو السبب الأساسي لتعطيل عملية السلام، المطالبة بتجميد الاستيطان وحتى سريا ولمدة أربعة شهور، وتحديد المرجعية والجدول الزمني، تعتبر لدى "نتنياهو" سقف مرتفع، غريب، فمعلمه "شامير"، ذهب لمؤتمر مدريد على أساس شعار "الأرض مقابل السلام" قبل عشرين عاما، ولكن بقدرة قادر استطاعوا تحويل ذلك معنا فلسطينيا إلى "الأمن مقابل السلام"، ومن ثم "محاربة وتشتيت البنية التحتية للإرهاب مقابل السلام"، وبعد ذلك "إثبات المصداقية كشريك مقابل السلام"، وبعدها "الراتب مقابل السلام"، ومن ثم "المفاوضات من اجل المفاوضات"، وأخيرا "المفاوضات الغير مباشرة من اجل دعم الجهود الأمريكية الجادة في إحياء عملية السلام".
الدكتور "صائب" ليس متفائلا من هذه المفاوضات، فقد صرح للجزيرة بتاريخ 3 آذار 2010 "بأن حكومة إسرائيل لن تنصاع ولن تقبل خلال الأربعة شهور القادمة الشرعية الدولية"، وهو بذلك حدد نهاية المفاوضات غير المباشرة سلفا، وبقناعته المُعلَنة، يتبادر للمواطن السؤال الكبير، لماذا إذا نذهب للمفاوضات غير المباشرة؟ والجواب واضح، دعم الجهود الأمريكية وعدم اتهامنا بأننا من نعطل السلام، وأننا عثرة في طريق جهود إدارة الرئيس "أوباما"، ويجب إعطاء فرصة عفوا "محاولة أخيرة" لاختبار هذه الجهود وبمدة زمنية لا تتعدى الأربعة شهور، ونحن نقول: لا بأس، ولكن قولوا لنا ما هي خططكم لما بعد ذلك؟ مجلس الأمن، الجمعية العامة للأمم المتحدة، سحب المبادرة العربية، إعلان انتهاء اوسلو وخارطة الطريق، يبدو أن الواضح لنا هو فقط لهفتنا على المفاوضات والجولات المكوكية، فنحن أدمَنا ذلك ولا نستطيع الاستغناء عنه، فالتفاوض غير المباشر أفضل من عدمه، كما أن ذلك سيجنبنا السلامات والقبل، وسيمنع الطرف الآخر من كشف أسرارنا عبر دراسة نفسيتنا من حركات جسدنا وتقاسيم وجهننا ونظرات عيوننا، الموقف لم يتغير، نرفض الاستيطان بكل أشكاله وفي كافة مناطقنا المحتلة، حدود الرابع من حزيران مع مبدأ تبادل الأراضي المقبول علينا هو مرجعيتنا، وبفترة زمنية حددت كما نريد، وهذا يكفي لكي يعلم العدو قبل الصديق حدود إمكانياتنا، وحدود قدرتنا، لذلك سنذهب لهذه التجربة الجديدة، ونحن مرتاحون، فالعرب معنا وخلفنا والمبادئ والثوابت الوطنية لا نتزحزح عنها، وهناك مسافة زمنية دائما بين "القصد والفعل".
مرة أخرى، ولعدم وجود خيارات واضحة لدينا، نبقى نفكر في نفس الدائرة وفي حدود مركزها، فالاقتراب من محيطها أصبح ممنوع علينا وخارج السياق، فالبديل عن السلام هو محاولات السلام، والبديل عن المباشر بالتأكيد غير المباشر وعبر وسيط أمريكي معروف بجديته وبتصميمه وبنزاهته، مشكلتنا ليست بالوسيط، ولا بنياته الجيدة، ولا بعشقنا وحبنا للسلام، ولا بإدماننا المفاوضات بأشكلها المختلفة، إنما بما سيحدث بعد "المحاولة الأخيرة"، خاصة أننا متأكدين من عدم جاهزية الطرف الآخر، بل نعرف توجهاته وسياساته.
إن مواجهة متطلبات عملية السلام لا تكون بإعطاء الفرص، ولا بمحاولات جديدة، ولا بالتمسك بمبدأ واستراتيجية السلام، وإنما بطرح مبادرة جديدة كإطار لما سبق وتم طرحه، ف "المبادرة العربية للسلام" لا تزال تصلح كأساس للسلام في المنطقة ككل، ولكن، تحقيق ذلك، لا يأتي عبر المفاوضات الثنائية، المباشرة أو غير المباشرة، وإنما عبر صفقة شاملة وسلام إقليمي، فمصلحة الغرب قبل العرب، في وقف التدهور القادم للمنطقة، ومنع السقوط للهاوية السحيقة التي لا حل لها، يكمن بعدم الوصول إليها، وتعدد مسارات التفاوض أثبت فشله، فلماذا يجرب مرة أخرى؟! والمفاوضات غير المباشرة في الحالة "السورية" وعبر "تركيا" أيضا اثبت فشله، وما سمي بـ"المحاولة الأخيرة" أيضا لن يقدم أو يؤخر في مفهوم تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ويبدو أن الهدف لذلك ليس السلام، ولا دعم الجهود الأمريكية بقدر ما هو التمهيد لتسهيل الهاوية، فمن لديه توجه فعلي ولديه الجرأة على تقديم الاستحقاقات، عليه أن يطبق ما اتفق عليه، لا أن يفاوض على ما تم التفاوض عليه، واقصر الطرق تكمن بانسحاب "إسرائيل" كقوة إحتلال عسكري من كافة الأراضي التي احتلتها عام 1967، وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في التحرر والاستقلال، وغير ذلك، مضيعة للوقت، وتمرينات عقلية تفاوضية لسنا بحاجة لها، ولمواجهة القادم من تطورات وما سيرافق "المحاولة الأخيرة" من إستحقاقات، قال عنها صديقي عضو المجلس الثوري بأنها "غيوم اصطناعية سينتج عنها أمور مزيفه وأمطار اصطناعية"، يكون بتحقيق الوحدة الداخلية الفلسطينية، لتحصين الجبهة الداخلية، فلا قضية بدون وحدة، وتوقيع "الورقة المصرية" مع اخذ الملاحظات حين التنفيذ هي المدخل لذلك، ف "المحاولة الأخيرة" قد تكون وبالا علينا إذا لم نتحد، وإذا لم نقدر خطورتها، فوقع صوت قرع طبول الحرب أعلى من صوت السلام، وأولويات الخطر القادم من الشرق أقوى من كل المحاولات وفوق كل الاولويات، وأخيرا نقول: "لك الحمد والشكر أيها الرب العظيم، يا من يصح عندك كل شيء ويستقيم، فكيف صارت المفاوضات، من جانبها المباشر فاشلة، ومن جانبها غير المباشر "محاولة"؟!
* كاتب فلسطيني يقيم في رام الله. - Firas94@yahoo.com