تحاول اوروبا دائماً ان تلعب دوراً هاماً في ازمة الشرق الأوسط ولكن الولايات المتحدة تمنعها من احتلال أي موقع بإستثناء الإيعاز اليها بتقديم التمويل عندما تستدعي الضرورة ذلك. وكثيراً ما حاولت فرنسا وأسبانيا الخروج عن الطاعة الأميركية وفتح قنوات اتصال خاصة بها تتمكن من خلالها تأمين حضور فاعل ومقرر ولكن ذهبت كل المساعى سدى.
ومن الطبيعي ان تكون اسرائيل مرتاحة لهذا الواقع لأنها تعلم ان اميركا لن تقدم يوماً ما على فرض أي شيء لا تريده تل ابيب، ولهذا لا حاجة لها للقبول بمشاركة أوروبية رغم ان معظم الدول الأوروبية تمتدح يومياً الدولة الإسرائيلية وتتسابق فيما بينها عمن يكون صديقاً حميماً لها.
وكان الأتحاد الأوروبي يمن النفس بحضور لقاء واشنطن الى جانب اسرائيل والفلسطينيين والمصريين والأردنيين ولكن لم تتلق وزيرة خارجية اوروبا كاترين اشتون اي دعوة بالمناسبة الأمر الذي اثار زوبعة في مقر المفوضية الأوروبية فأتهم البعض الوزيرة اشتون بالتقصير من فيما رأى البعض الآخر ان السبب هو ان اوروبا بأكملها ليست ناضجة بعد لتقديم نفسها كلاعب اساسي لا غنى عنه في الشرق الأوسط.
وسبق وتلقت باريس وعداً من مصر بأن يتم دعوتها الى المفاوضات التي جرت في شرم الشيخ ولكن تم العدول عن هذا الوعد دون تبرير السبب الذي يمكن ان تكون واشنطن وراء تعطيله لجهة رفض أي مشاركة أوروبية. ولعل هذا ما اثار استياء كبار المسؤولين الفرنسيين وعلى رأسهم وزير الخارجية برنار كوشنر الذي رأى ان أوروبا تعامل كمموّل للعمليات الدبلوماسية في المنطقة من دون أن يكفي ذلك أميركيا للحصول على بطاقة دعوة إلى المؤتمر. وأضاف: "لا نستطيع أن نكون مجرد شباك للدفع".
ورغم ذلك فإن باريس لم تيأس وتحاول الأن ان تدخل الى الشرق الأوسط من البوابة السورية بعد ان انتدب الرئيس نيكولا ساركوزي السفير جان كلود كوسران كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط على امل ان تحتل باريس مكان انقرة في ادارة مفاوضات غير مباشرة بين سورية وإسرائيل.
ولقد زار كوسران دمشق لهذه الغاية ولكن من المبكر الحكم على مدى نجاح زيارته لأن العودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة تتطلب موافقة تل ابيب، ورضى اميركي، وإستعداد سوري للتخلي عن الدور التركي وإستبداله بالدور الفرنسي. ولطالما ان النافذة على السلام في الشرق الأوسط لا زالت مقفلة امام الأوروبيين فلقد نصح اعلاميون وباحثون اوروبيون الأتحاد الأوروبي ان يخترق سياسة الإستبعاد الأميركية له من خلال طرح رؤية للسلام تقوم وفق مقررات القانون الدولي ذات الصلة بالصراع بحيث تشكل اطاراً للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية حتى وإن كان الأتحاد الأوروبي مستبعداً من المشاركة المباشرة.
ويكون هذا الإطار بمثابة شرط مسبق لأي دعم سيقدمه الأتحاد الأوروبي حتى وإن يكن مجرد دعم مالي.
ويتلخص الإطار بستة مبادئ هي:
1- ضرورة وجود دولتين شرعيتين متجاورتين، فلسطينية وإسرائيلية.
2- أن تكون الدولتان كاملتي السيادة كل منهما على أراضيها الخاصة، وفق حدود يونيو/ حزيران 1967 (ويوضع في الاعتبار أي تبادل محتمل للأراضي يمكن أن تقدم الدولتان بإرادتهما الكاملة على إجرائه بالتفاهم فيما بينهما)، على أن يكون الاستقلال كاملاً والسيادة غير مقيدة في كافة المجالات (في النظام السياسي، وإدارة الموارد الاقتصادية، والعلاقات الخارجية.. الخ).
3- أن يتم احترام أمن واستقرار كل من الدولتين، في إطار سيادة كل منهما الكاملة.
4- ضمان حرية النفاذ إلى الأماكن المقدسة لمواطني كلتا الدولتين، وبصفة أشمل لجميع أتباع الأديان المعنية، وهو ما يقتضي أن يكون لهذه الأماكن المقدسة وضع خاص.
5- وضع حد نهائي لأي تمييز قانوني وضمان المساواة للسكان اليهود المستقرين في الدولة الفلسطينية، وللمواطنين غير اليهود في إسرائيل، وحق كل منهم في الحصول على جنسية الدولة المعنية، مع كل ما يترتب عليها من حقوق.
6- تعويض مواطني كلتا الدولتين بشكل عادل عن الأضرار التي يمكن أن تكون لحقت بهم بفعل الصراعات والحروب السابقة.
إزاء هذه المبادئ لا يبقى برأي واضعيها سوى انخراط الساسة الأوروبيين في الترويج لها على أوسع نطاق لكي يكون لأوروبا دور داعم لتحقيق حلم يراود الجميع الآن، هو رؤية هذا الصراع المزمن وقد أدرك نهايته ليتكشف عن تسوية عادلة وشاملة وقابلة للاستدامة.
* رئيس مركز الدراسات العربي الأوربي محام ومستشار قانوني. - info