يوم بعد تتضح الصورة جلية بأن عهد المفاوضات أصبح من الماضي وأن كل الضغوط التي تمارس على السلطة الفلسطينية لن تجدي نفعا في إعادة المفاوض الفلسطيني للجلوس حول طاولة المفاوضات دون أن يكون هناك واقعا ملموسا على الأرض وفي المواقف وفي الفعل الدولي عامة و الأمريكي خاصة..
إن الضغوط التي تمارس هي ضغوط تهديدية سوف تطال الوضع السياسي والاقتصادي والدولي للسلطة الفلسطينية .. وهذا سوف يترافق مع التهديدات الحقيقية بالتصفية السياسية والحصار والقتل أيضا بما يسمى في علم السياسة " التصفية الجسدية المباشرة وغير المباشرة " ...
والسؤال الذي يجب أن نسأله ، لماذا ترفض السلطة الفلسطينية العودة للمفاوضات بالرغم من وجود ضمانات أمريكية وكذلك خطة أمريكية للحل النهائي في نهاية العامين القادمين ..؟!
الجواب يأتي على لسان وزير الخارجية الصهيوني، أفيغدور ليبرمان حيث قال : "لا يمكن التوصل إلى تسوية حول الحدود الدائمة خلال تسعة شهور، ولاتفاق شامل خلال سنتين ، كما هو مقترح في الخطة الأمريكية. لا يمكن تحقيق أهداف غير واقعية، وينبغي البدء بمفاوضات مباشرة دون تحديد سقف زمني". وكذلك يذهب رئيس الوزراء الصهيوني أي أبعد من ذلك حين يقول نتائج المفاوضات تحدد في نهايتها ويذهب أيضا الى مطالبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالعودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة وكذلك رفضه التعهد بأن تعتمد المفاوضات على مبدأ إقامة دولة فلسطينية أو الاعتراف بأي إطار للمفاوضات .
وهنا يرد الرئيس الفلسطيني بتصريح صحفي من شرم الشيخ "لا اعتراض على العودة إلى طاولة المفاوضات أو عقد لقاءات أيا كانت من حيث المبدأ، ونحن لا نضع أية شروط. نحن قلنا وما زلنا نقول إنه في الوقت الذي يتم فيه وقف الاستيطان ويتم الاعتراف بالمرجعية الدولية سنكون جاهزين لاستئناف المفاوضات دون أدنى نقاش."
وكذلك يلاحظ ان الرئيس أبو مازن يجدد في كل خطاب وتصريح له بمواقفه التي تخص الدولة القادمة حيث يقول : "المفاوضات يجب ان تستأنف من النقطة التي انتهت عندها في كانون الأول (ديسمبر) 2008"، ونرفض الدولة الموقتة والحلول الموقتة".
ويحدد الرئيس الفلسطيني الأسباب الحقيقة التي أدت الى هذا الجمود في عملية السلام والوصول الى الحل النهائي حيث قال "الصمت الدولي إزاء الانتهاكات الإسرائيلية والكيل بمكيالين شجع إسرائيل على المضي بالتوسع والتهويد والاستيطان والفصل العنصري وتدمير فرص واستحقاقات حل الدولتين".
ويرجح الكثير من المراقبين قيام الإدارة الأمريكية بمنح إسرائيل الضوء الأخضر في تنفيذ إجراءات تصعيديه تهديديه وتنفيذية تطال الرئيس الفلسطيني والقيادات السياسية والعسكرية وتؤثر على مجمل وضع السلطة الفلسطينية في إشارة الى فرض الحلول الأمريكية والإسرائيلية بالقوة وحتى ان كان الأمر يتعلق بخطوات أحادية الجانب ..
حتى أن الرئيس محمود عباس 'أبو مازن قال " بأنه من الممكن أن تقوم إسرائيل باغتياله كما فعلت مع الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي وقع معها اتفاقية أوسلو للسلام عام 1993" .
وأضاف الرئيس عباس في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية :" ياسر عرفات لم يكن شخص متطرف وهو من وقع اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل وأنا وعرفات من خريجي نفس المدرسة المؤمنة بالسلام ولكن الإسرائيليين اغتالوه، وإن أقدموا على اغتيالي فإنا شخص مؤمن بالله وقدره."
وبرأي أن الغير قادر على كبح جماح الاستيطان الصهيوني لن يتمكن من فرض أي حلول أو تنفيذ أي خطط لا بعد سنة ولا مائة سنة .. ان إسرائيل كيان بني على سياسة الاستيطان وتشريد السكان وهدم البيوت والإرهاب ولا يمكن أن يكون هذا الكيان مؤمنا بالسلام ودولة فلسطينية مستقلة .. ان إسرائيل كلما وجدت نفسها وجها لوجه مع استحقاقات يتوجب أن تدفعها تقوم بالأعمال الإرهابية والتصفية الجسدية والاجتياح والتضييق وكل ما إلى ذلك .. وها هي الآن وجها لوجه مع حقيقة أن المعادلة أصبحت منقوصة ولا يمكن إجبار الفلسطيني على التفاوض ولا تقدم أي شيء ملموس أو حتى خطة جدية مرتبطة بوقت وضمانات محددة ومضمونة ..
كل هذا يؤكد أن السلطة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني محمود عباس في مرمى النار الإسرائيلية .. فماذا أعددنا لهذه اللحظات ان وقعت " لا سمح الله " .. و التاريخ يقول أن إسرائيل لا تتورع عن فعل وتنفيذ أي شيء في سبيل المضي في مشروعها الاستيطاني و الاحتلالي ...
يبقى لنا كلمة نقولها : نعم لمواقف الرئيس محمود عباس أبومازن .. نعم للثوابت والدولة الفلسطينية .. نعم لعدم العودة للمفاوضات بدون سقف حقيقي تدركه القيادة الفلسطينية .. ويجب ألا نصدق الرؤية الأمريكية أن الحقوق الفلسطينية تبدأ وتنتهي من فوق طاولة المفاوضات ..